مؤتمر “النهضة الاغترابية الثانية – لإبداع من أجل الحضارة والإنسان” مشروع الأديب د. جميل الدويهي أفكار اغترابية للأدب الراقي/ الورقة 17 – الباحث جريِس الكايد- سيدني: “عودة الأدب المهجري من البرازيل إلى أستراليا”

 

 

انطلق  مؤتمر “النهضة الاغترابية الثانية – لإبداع من أجل الحضارة والإنسان” الذي ينظمه  مشروع أفكار اغترابية للأدب الراقي-سيدني ، منتدى لقاء – لبنان، بستان الإبداع – سيدني. يصدر عن المؤتمر كتاب من جزءين او ثلاثة، يضم جميع الأوراق المشاركة، وترسل نسخ منه إلى المشاركين والمكتبات والكبرى. يعقد المؤتمر حضوريا في جلسة واحدة، فور انتهاء الأزمة الصحية، وتقرأ مختصرات الأوراق بالنيابة عن المشاركين المقيمين خارج أستراليا.

في ما يلي  الورقة السابعة عشرة: الباحث جريِس الكايد- سيدني: “عودة الأدب المهجري من البرازيل إلى أستراليا”.

 

منذ أواخر القرن التاسع عشر، شرعت تنزح إلى بلاد كولومبوس بعض من الجماعات العربية، ولا سيما من سورية ولبنان. بعضهم هرب من جور الاتراك وبعضهم من الفقر، وأغلبهم للسببين معاً.

ومن بين تلك الجماعة الراحلة، كان هناك رعيل من الشباب المثقف الواعي

والذي نهل العلم والمعرفة وحفظ إرثه التاريخي، فقد عز عليه ترك دياره

وأحبائه وذكرياته، فبثها شعراً ونثراً وأدباً راقياً.

تعرفت من خلال زيارتي إلى البرازيل في بداية التسعينات، على هؤلاء الأدباء

ومآثرهم، وما تركوه للمكتبة العربية، من إرث ثقافي واسع. وعندما زرت “نادي حمص” و”نادي البردوني” في سان باولو، شاهدت المكتبة الواسعة والتي حوت على خزائن، وأمام كل خزينة صورة لأديب أعرفه.

استقبلني الشاعر اللبناني رياض المعلوف، وهو عضو في العصبة الاندلسية. تميز شعره بفلسفة الحزن. سألته: لمَ هذا الحزن يخيم على شعرك؟

أجاب: نحن من أصول غسّانية. ترك أهلي قراهم وأملاكهم وكنائسهم في حوران وهاجروا إلى لبنان، فكنت أرى الحزن في عيون أجدادي، لِما كان لهم من ملك واسع قد ضاع، بسبب الاضهاد وتعدّيات البدو والأتراك.

وأمام صورة قيصر المعلوف وقفت أتصفح كتبه:

1_ الغادة السوريه في الديار الاميركية (مطبعة جريدة البرازيل، سان باولو، 1907)

2_ فدية الحبّ

3- ديوان قيصر المعلوف

4- نيرون (رواية شعرية)

5_ ديوان تذكار المهاجر

6_ جَمال بلادي (ملحمة شعرية)…

شاعر مبدع ذو خيال خصب، له عدة قصائد وطنية… ومن قصائده الشهيرة واحدة بعنوان “وقفة على الشاطئ” تناول فيها ما يلاقيه المهاجرون من الامتهان والتعب.

واطلعتُ أيضاً على على مرثية للإمام محمد عبده، مفتي الديار المصريه 1906، ومنها:

إمام بدا للمسلمين منارة           به يهتدي للحقّ والنور طالبُ

اذا ما بكاه المسلمون تأسفاً        فدمع النصارى ما حكته السحائبُ…

كما أسس في البرازيل ندوة “رواق المعرّي الأدبية”.

ووقفت امام صورة ذات إطار ذهبي، كان اسم صاحبها قد كُتب عليها بخطّين، عربي وبرتغالي، اسكندر عيسى اسكندر المعلوف، عرفني عليه قائلاً: صاحب الايادي البيضاء، قدم الكثير. هو اقتصادي وصناعي وتاجر يملك معملاً وفندقاً، ورئيس غرفة تجارة لبنان – البرازيل… كما رأيت صورة الشاعرين فوزي المعلوف وشفيق المعلوف…

سألت صاحبي: لِمَ لا أرى جريدتكم الناطقة باللغة العربية؟

هز رأسه وقال: اتبعني…

سرت معه الى قبو واسع، ورواق كبير حوى آلات عديدة للطباعة تراكم عليها الغبار. قال: أصبحت آثاراً، فمنذ بداية الحرب العالمية الثانية، أغلقت الحكومة البرازيلية الصحف والمجلات والمطابع والندوات والمسارح الناطقة بغير اللغة البرتغالية، ومنعت التحدّث بغير البرازيلية، فإذا صادفت الشرطة إنساناً يتحدث مع الآخر بغير البرازيلية، يتم إلقاء القبض عليه وإيداعه السجن. وبدأ الاندثار التدريجي… حتّى أولادنا لم يهتموا كما كان آباؤهم من قبل، وكل ما يعرفونه هو المأكولات اللبنانية من التبّولة والكبّة…

شاهدت دمعة حزن وألم على محياه، فلم اتمالك نفسي. وكانت لؤلؤة قد تساقطت على خدّي…

كان ذلك الإنسان الأديب والشاعر رياض بن عيسى اسكندر المعلوف، والذي تجاوز آنذاك الستين من العمر، آخر حبة العنقود من الأدب المهجري.

وفي أستراليا، كان اللقاء مع شاعر وأديب سمعت قصيدته، فقلت لصاحبي: “لمثل هذه القصائد يُسمع، بما حوت من أفكار وصور وإبداعات فنية، تنقلك من عالم الوجود المادّي الى عالم كنا قد حلمنا به”…

إنه الشاعر والأديب جميل الدويهي. له الاحترام والتقدير لما يقوم به من جهد، وعمل متواصل يغذي العقول، بُعداً روحياً، وقيماً انسانية… منارة تشع على المشرق العربي فيضاً من عقول المهاجرين. فقد أحيا الأدب المهجري بما قدمه وجمعه، وشجع المفكرين والأدباء على الانضمام إلى مشروعه الأدبي، منتجاً العديد من الكتب، فله الشكر والتقدير.

***

*غداً 27-1-2022 ورقة البروفسور رياض عثمان – لبنان

اترك رد