هَمَسَت، وفاحَ عَبِيرُها بِجِوارِي، هَمْسَ الكَمانِ، ونَغمَةَ الأَطيارِ
وتَأَلَّقَت بِالحُسْنِ… لا وَشْيُ الرُّبَى أَبهَى، ولا الأَنداءُ في الأَسحارِ
فَسَكِرتُ إِذ قالَت، ومالَ قَوامُها، غُصنًا يُداعِبُهُ النَّسِيمُ السَّارِي:
أَنا كم عَجِبتُ لِسِحْرِ شِعْرِكَ، جَرْسُهُ نَغَمُ السَّماءِ، ورَنَّةُ الأَوتارِ
نَجواهُ مِن شَجْوِ الفُؤَادِ، ودِفْئِهِ، وحَنِينِهِ لِهَناءَةِ التَّذكارِ
وشُرُودِهِ في هُدْبِ كُلِّ مَلِيحَةٍ جُنَّ الجَمالُ بِقَدِّهَا النَّوَّارِ
قالَت، وفي إِدلالِها ما طارَ بِي فَوْقَ العَنانِ(1)، وخَلفَ كُلِّ مَدارِ:
هل مَبعَثُ الإِلهامِ مِن آياتِنا، وعُقُولِنا، وطَلاقَةِ الأَفكارِ
أَم ما تَبُثُّ لَنا الغُيُوبُ مِنَ الرُّؤَى، ويَجُودُ دَفقُ العالَمِ المُتَوارِي؟!
فَرَمَقتُها، ويَلُفُّنِي مِن لَحظِها سِحْرُ الصَّباحِ، وضَوْعَةُ الأَزهارِ
لا الأُفْقُ يَحوِينِي، ولا وُسْعُ المَدَى، فأَنا بَلَغتُ مَسارِحَ الأَقمارِ
وأَجَبتُها، ومَدَى مَقُولِي سِحْرُها، والفَوْحُ مِن جَيْبٍ(2) بِجِيْدٍ عارِ:
مِ الخَمْرِ طِيْبُكِ، مِن دِنانٍ عُتِّقَت، لَيلاهُ(3) مَنْبَعُ نَشوَتِي، ودُوارِي
في سِرِّ حُسْنِكِ سِرُّ إِلهامِي، وفي مِحْرابِ شَوقِكِ تَنجَلِي أَسرارِي
لا تَسأَلِي! أَنا مِنكِ كُلُّ لآلِئِي هاتِي جَمالَكِ واقطِفِي أَشعارِي!
***
(1): العَنان: سَحاب، غَيْم
(2): الجَيْب، جَمْعُها جُيُوب، مِنَ القَمِيص: طَوْقُهُ
(3): لَيْلَى الخَمْر: نَشوَتُها وَبَدْءُ سُكْرِها