الأديبة كلود ناصيف حرب* تكتب عن أهداف مؤتمر “النهضة الاغترابية الثانية – لإبداع من أجل الحضارة والإنسان”

 

بدأ الإعداد لمؤتمر “النهضة الاغترابية الثانية – لإبداع من أجل الحضارة والإنسان”، منذ عام ونصف تقريباً، وتأخّر عقده بسبب تفشّي الوباء، ولكن في النهاية تمّ المؤتمر، أو كاد يتمّ، ولم يتوقّع كثيرون أن تصل إلينا أوراق بحثيّة ورؤيويّة بهذا العدد، وقد يكون البعض لم يتوقع أن يتم المؤتمر بأيّ حال، وفي رأي آخرين أن ليست هناك نهضة اغترابية ثانية، والعنوان هو لزوم ما لا يلزم. وتصل أحياناً ملاحظات، أو نقرأ على مواقع التواصل تعليقات ذات دلالات بهذا المعنى. لكن في المقابل تصلنا رسائل وتعقيبات من كبار الأساتذة الجامعيين وأدباء ومهتمين حول العالم، تكبر القلب، وتزيد من إيماننا بأن ما نفعله مهمّ جدّاً، وأكثر من ضروريّ، فلا معنى لأدب لا يفعل في مجتمعه، وكلّ عمل لا يقدّم خطوة إلى الأمام لا تأثير له.

وبين مؤيّد للفكرة، ورافض لها، وصامت حيالها، يتبيّن أن الدويهي يقول كلمته، “ويسهر الخلق جرّاها ويختصم”، كما يقول الشاعر المتنبيّ، ولو لم تكن القضيّة التي يطرحها المؤتمر أساسيّة لما كانت لها ضجّة وترددّات. ولعلّ أهميّة المؤتمر الذي يُعقد بشراكة بين مشروع الأديب د. جميل الدويهي – أفكار اغترابية للأدب الراقي، ومنتدى لقاء في لبنان، وبستان الإبداع، تكمن في أهدافه الحقيقية التي يختصرها الدويهي كما يلي:

1- استطلاع المشاركين حول إمكانيّة تأسيس نهضة اغترابية ثانية، بعد الرابطة القلمية والعصبة الأندلسيّة.

2- إشراك اكبر عدد ممكن من الدارسين والأكاديميين والأدباء والإعلاميين في منصات لتأريخ رؤيتهم حول أدب المهاجر والمنجزات التي قدموها، هم أيضاً، من أجل الحضارة والإنسان.

3- عرض تجارب أدباء في المهاجر المختلفة، ورحلتهم مع الإبداع، في جوانبها الإيجابية والسلبية. ومن خلال ذلك، التزامهم بقضايا الوطن وهموم ناسه، وهم بعيدون آلاف الأميال عن بلادهم.

4- دور مشروع أفكار اغترابية، أو أي مشروع آخر، في نهضة اغترابية مأمولة، والصعوبات التي تكتنف أي مسيرة من هذا النوع ، خصوصاً في بلاد الانتشار.

5-الوصول إلى ورقة حواريّة مشتركة، يمكن البناء عليها، ومعرفة عوامل القوّة والضعف، أو أخطاء تحتاج إلى تصحيح، قبل تحقيق أي نهضة اغترابية ثانية، تقوم على الفرادة والتنوّع والخروج من نمطية النوع، كتلك التي حققها المهاجرون في القرنين التاسع عشر والعشرين، في الأميركيتين.

6- إبراز الهوّة بين النمط الواحد في الأدب وتعدّد الأنماط والأنواع المكتوبة، وطرح السؤال: هل نجح النمط الواحد في بناء شخصيّة أدبية اغترابية، أم نحن نحتاج إلى مدرسة متعدّدة الأنواع لتحقيق الهدف الأسمى والمنشود؟

ومنذ طرح السؤال الأول، يبدو أن الدويهي لا يدّعي أنّه أنشأ المدرسة الأدبية الاغترابية، وإذا كان يستخدم مصطلح النهضة الاغترابية الثانية، فلأنّه يحاول أن يجد طريقاً إلى هذه النهضة، وقد ينجح أو يفشل، ولكنّه المؤهّل حتماً لريادتها، بصفته متعدّد الأنواع الكتابية من ثمانية أنواع شعر، ورواية، وقصّة قصيرة، وفكر، وتأريخ وترجمة، وأكاديميا، وباللغتين العربية والانكليزية… وهذا الرصيد الذي ضمّه حتّى الآن حوالي 42 كتاباً من أعماله، ليس من قبيل الصدفة، ولا منّة من أحد، بل بفضل جهد كبير وتضحيات جمّة بذلها الدويهي من أجل مشروعه المضيء. كما أننا نحن – منتدى لقاء في لبنان وبستان الإبداع في أستراليا – نشاركه التجربة الفريدة، ونواكب في أعمالنا ونشاطنا وتطلعاتنا الإبداعية ما يمكن أن يكون مقدّمة لهذه النهضة التي نرجو أن تكون ساحة للتفاعل والحوار الحضاري والتكامل، بعيداً عن المنافسات غير الصحيحة التي تشوّه المسيرة، وأيضاً عن المواقف المسبقة التي تسعى إلى إحباط أي إنجاز متقدّم، وضبطه أو لجم انطلاقته، ضمن حدود المساواة التي يعتقد البعض أنها قائمة تلقائياً، ولا مجال فيها للنقد والمقارنة والموازين الدقيقة.

وعلى أمل أن نتمكن من عقد المؤتمر وجهاً لوجه، سيتواصل تقديم الأوراق تباعاً، تمهيداً لطباعتها في كتابين على الأقلّ. وما يزال الموعد النهائي لتقديم الأوراق مفتوحاً حتى 10 شباط المقبل. فألف أهلاً بمن يرغب في المشاركة، وتمنياتنا النجاح لكل من يحاول أن يضع حجراً في بناء الحضارة أينما وُجد، والله الموفق للجميع.

***

*مؤسسة بستان الإبداع، مساهمة في مشروع “أفكار اغترابية” وشريك في المؤتمر.

اترك رد