سمر دوغان
حان الموعد. ضمت، بشغفِ المراهقات، الثوبَ الخمري اللون. عانقت بحب رائحة الخزامى العالقة بخيوطه الدافئة. نثرت الخزانة بتجرد صور ذكريات مضت.
اومأت للفستان بدلال، تعالَ استُر جسدي، فقد سرت في شراييني تلاوين الزمن. ارخت بالفرشاة ظلالاً بنفسجية فوق عينيها. لونت بالوهج الزهري خديها. رسمت بحرفية الرسام شفتيها. أدركت، والمرآة تعكس صورتها، أن الجمال لم يبارح وجهها. تهادت برشاقة بكعبها العالي، فزادها طولا على قامتها الممشوقة. وبمزيد من الإغراء داعبت خصلات الشعر الناعم وابتسمت.
هكذا كانت، ككل عام، تنتظر قدومه السري في الليالي الزائفة.
نظرت بفخر الى طاولة السفرة، فقد أعدت بتأن كل المأكولات التي يحبها. أفردت سحرها بالنكهات، ففاحت في الأرجاء روائح طهوها.
ارخت الستائر، أنارت الضوء الخافت في ارجاء دارها. “الأباجور” في زاوية الصالون يخفي تحت ظلاله بعض قصصها وهمساتها.
اضاءت الشمعتين.. وضعت الصحون والكؤوس في مكانهما المعتاد.
جلست قبالته.. نظرت بتمعن، وقالت له بلهفة العشاق في دروب القمر الباهت “اشتقت لك”.
لم تلحظ في تلك الثواني بسمته الصفراء. ومضت تحدثه عن أحلامها وهجرة أولادها. ومتعة رؤيتهم في الصيف القادم.
قالت له: “اما زلت تحبني… أتراني جميلة….هل اعجبك طبخي”؟ وغيرها من الكلام الفارغ تملأ به المساحات البعيدة.
ادارت “الفونوغراف”… ام كلثوم ترفرف بصوتها الأبدي “كان لك معايا اجمل حكاية في العمر كله”. ضمت ذراعيها للوهم، راقصته حتى الرمق الأخير وأرخت رأسها على كتفه لتنسى همومها.
فتحت باب الغرفة اشعلت سيجارتها، تسللت نسمة شتوية باردة كجسدها. نظرت الى السماء “خذي من روحي دعوتي ولو مرة”.
دقات قلبها وعدتها خيرا، أشرقت اساريرها.. نور وجهها أضاء الظلمات الكالحة.
تحررت من خوفها، هرولت تفتح باب الغد. لم تجد سوى ظلال النور في درب المجهول.
بعنف القهر الذي يسري نارا في شرايين دمها، شهقت بصوت عالي “ألن تراقصني في الليلة الأخيرة”.
***
* اللوحة للرسام بابلو بيكاسو