جميل الدويهي: لذلك أحببتك أيّتها المساواة!

أحببتُك أيّتها المساواة، بعد أن بنيتُ قصراً من الرخام والمرمر، وعلّقت صورتي فوق رتاجه الفخم، فمرّ من أمامه رجال ونساء لا أعرفهم، وطلبوا منّي أن يسكنوا معي، لأنّ القصر لهم أيضاً.

وارتديتُ ثياباً جميلة اشتريتُها من تعبي وعرق جبيني، فرآني بعض الناس، وقالوا لي: أليس عيباً أن تخطر بثيابك الجميلة، ونحن أشباهُ عراة؟ فخجلت من نفسي وأعطيتهم ثيابي…

وزرعت حقلاً فيه فاكهة كثيرة، فسألني زارعون آخرون لم يقطفوا من أشجارهم سوى القليل: ألا ترى أنّ حقولنا يابسة، وثمارنا عجفاء؟… أوليس من العدل أن تقاسمَنا ما جنتْه يداك، فنكونَ أخوةً في الحقّ؟

وصنعتُ مركبة لأصعد بها إلى الكواكب، ولمّا رأت الحكومة أن تكرّمني لعظمة اختراعي وعبقريّتي، هرعَ بشر كثيرون، يحملون المعاول والرفوش والعصيّ الغليظة، وطالبوا الحكومة بأن يتكرّموا هم أيضاً، فلا يحدث تمييز في العدالة…

لذلك كلّه أحببتك أيّتها المساواة، وأريد أن أكون وفيّاً لك، وخادماً في معبدك الرفيع… فكلّ ما هو لي أعطيه للناس، وكلّ ما هو للناس أتركه لهم، فما أشتهيت مرّة أن يكون لي.

أيّتها المساواة، أرسلتُ إليك صورة تذكاريّة معبّرة عن قصري الجميل، وكيف أنّه أصبح يعجّ بالمالكين، وقد خرجتْ رؤوسهم وأقدامهم من النوافذ والأبواب، فلم يعد لي سبيل لكي أدخل إليه… وإنّني أبحث عن خيمة من القشّ، تحميني من حرّ الصيف وقرّ الشتاء، وتنقذني من التشرّد في الدروب الوعرة.

***

*من كتاب “أفكار خارج العزلة” – يصدر عام 2022 عن مشروع “أفكار اغترابيّة” للأدب الراقي – سيدني

اترك رد