عفيف قاووق
رواية المستحيل للدكتور مصطفى محمود، تعالج قضية لا تزال إشكالية ليومنا هذا ألا وهي “السلطة الابوية” وتدخلها في رسم حياة ومصائر الأبناء، ظناً منهم أن في ذلك مصلحة أولادهم.وغاب عن بالهم القول الماثور” لا تؤدبوا أولادكم بأخلاقكم لأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم “.
الرواية هذه حولت أيضا إلى فيلم سينمائي ، وهنا لا بد من التساؤل هل ان تحويل العمل الأدبي إلى فيلم او مسلسل يخدم أو يسيء إلى العمل نفسه لاختلاف المعالجة الدرامية لضرورات تجارية وتسويقية في أعلب الأحيان.
بالعودة للرواية نلاحظ تدخل الآباء في رسم مستقبل الابناء لدرجة التدخل أحياناً في إختيار الزوج أو الزوجة وحتى في إختيار التخصص العلمي والأكاديمي لهم، فمثلا حلمي وهو إحدى شخصيات الرواية، نجده رغم تخصصه كمهندس إلا أنه لم يجد نفسه في عالم الهندسة بل وجدها في ورشة الميكانيك وصيانة السيارات.
من ناحية أخرى يبرز تدخل الأهل في حياة الابناء عندما تدخل والد حلمي في أدق تفاصيل حياة إبنه ، إختار له الزوجة وغالبا ما كان يتدخل حتى في فتح الشبابيك وإغلاقها وأيضا في إختيار اللوحات الفنية التي تزين حوائط المنزل.
غتيً عن القول أن الورثة غالبا ما يفشلون في إدارة ميراث وأعمال أبائهم، ليس لإفتقارهم إلى الخبرة والمعرفة، بل لعدم رغبتهم في مثل هذه الأعمال التي لا تستهويهم، ولذا فإن حلمي الشخصية المحورية في الرواية يعتكف ويهمل إدارة الأراضي والأملاك التي ورثها فقط لأنه لا يحب العمل في الأرض.
وإذا توغلنا في الرواية نجد انها قدمت لنا المرأة في ثلاث نماذج مختلفة وإن كان يشوبها بعض المبالغة.
الشخصية الأولى هي المحامية فاطمة، شخصية عبثية تحاول أن تبدو متمردة على كل ما يحيط بها، تعيش حياتها بالطول وبالعرض تحت تأثير نقمة تعتريها على الرجال ومؤسسة الزواج ولا تؤمن بالحب والمشاعر الإنسانية، تحاول تحقيق ذاتها لتنتقم من السلطة الذكورية، لنكتشف في نهاية الأمر ان تصرفها وتطرفها هذا ناجم عن إدمانها المخدرات جعلها تعاني من إضطراب نفسي.
أما الشخصية النسائية الثانية فهي أمينة زوجة حلمي والتي تجسد نموذج المرأة التقليدية البسيطة والمسالمة، والتي لا هم لها سوى إرضاء الزوج ومراعاة شؤون البيت ولا تحاول بذل أي جهد في سبيل إنعاش حياتها الزوجية .
وتبقى “تاني” آخر النماذج النسائية والمتزوجة من عزيز الذي كان سابقا زوجا لأختها المتوفاة. ولذلك فقد رضخت لمشيئة الأهل بقبول الزواج منه دون الإلتفات إلى مشاعرها وصدق عواطفها نحوه. ومع ذلك بقيت إلى حد ما أمينة على بيتها رغم العلاقة المستجدة التي قامت بينها وبين حلمي فلم تنزلق للنهاية في تلك العلاقة مكتفية بأن تعتبر ان شعورها تجاهه مجرد حلم جميل ولأجل هذا الحلم ستعود محبة للحياة، وبالتالي فقد عرفت كيف تقف عند الضوء الأحمر في علاقتها بحلمي الذي شأنه شأن معظم الرجال – ربما- فهو رجل متهور ومندفع ولا يقيم وزنا لأي إعتبار ولا يهتم لأية خسارة متوقعة قد ترتد عليه نتيجة إندفاعه العاطفي هذا.
لقد كانت تاني أكثر تبصراً وتعقلا منه في مقاربة الأمر، تقول له “أنت أغلى من أن أختار لك هذا المصير، أنا أريد لك السعادة،لا أريد أن أُحطم حياتك معي ولا أريد أن أحمل ذنبك أنت أيضاً.
وفي موضع آخر تخاطبه بالقول “لا أريد،أخاف من الله ومن رجُلي ومنك ومن عيون أولادك، إن الماضي يتغلغل في حواسي أنا لم أتزوج كُرهاً لقد إرتضيته، صحيح اني لم أستطع أن أحبه ولكن عاشرته والرجال لا يعرفون العِشرة كما تعرفها النساء، العشرة تتغلغل في الدم وفي الحواس ولن أكون مخلصة لك، سوف تعود حياتي السابقة كلما دقَ علينا ولدي الصغير باب غرفة النوم “.
ختاما نسال لماذا أختير المستحيل كعنوان للرواية؟ هل هي إشارة إلى أن اي محاولة للتغيير والإنسلاخ عن الماضي والإنقلاب على الواقع لا بد ان ينتج عنه تداعيات وأثمان معينة من المستحيل تحملها، وعليه فإن كل رغبة بالتغيير لا بد وان تراعي حصول وتوفر توازن بين الأضرار المحققة والمنافع المحتملة، سؤال يبقى برسم الجميع.