يعاتبني بعض الأصدقاء، عتاباً لطيفاً، من محبة، وربّما رحمة بي، ويسألون: لماذا 33 كتاباً في مهرجان واحد؟ ألم يكن يكفي كتاب واحد كما هو مألوف؟
الجواب له شقّان، واحد منطقي يتعلق بالبيئة والتاريخ والجغرافيا، والثاني يتعلق بي.
للبيئة التي أعيش فيها، أقدّم عملاً جليلاً، 33 كتاباً ليست قيمة عادية، إذا ما احتسبنا أنواع الأدب، وقامات كبيرة ساهمت في نهضة أدبنا الاغترابي، وكُتُبها ستكون حاضرة في الاحتفالية… من غير حساب التعب والسهر والتفكير والمعاناة. إنّ مجموع الكتب هو صرخة في وادٍ، ومحاولة لتحطيم الباطون المسلح الذي يقف عائقاً أمام مَن يريدون معرفتي على حقيقتي، ومادة إعلامية لمن يحتفلون بكتاب واحد، لعلّ فرحهم يكون مضاعفاً بثلاث وثلاثين مرة… فأدبي على كثرته صالح للاستهلاك أيضاً. ولن أزيد… لأن القصة أصبحت معروفة من الألف إلى الياء.
الشق الثاني يتعلق بشخصيّتي، فأنا لا أمزح منذ وقت طويل، وحياتي كناية عن مشروع، وأحبّ أن أعيش على القمم حيث البرد والثلوج، وفي كل شيء أفضّل أن أكون مختلفاً، في كتاباتي، وفي هندامي، وحديثي، وفي المرأة التي أحبها (لا تشبه أحداً إلا الهاربين من مصحة عقلية)…
ومن هذا، أعتبر أن 33 كتاباً ليست كافية، ولولا توافرت لي السبل، لأهديت أكثر من ذلك، ولو حزنتْ الأرض كلّها وأعلنت شعوبها الإضراب عن الطعام احتجاجاً. فعندي شغف بأن أرضي نفسي التي لا ترضى… هذا أنا، عقل لا يفكر ولا يعمل إلا كما يشاء.
بعض الناس يتأففون ويقولون: إنها مبالغة، فيكفي كتاب واحد، في إشارة إلى طريقتهم الخاصّة… لكنّ هؤلاء يتجاهلون حرّيّتي وطريقتي الخاصّة، ويصرفون النظر عن تعدد أنواعي التي لا يتسع لها كتاب واحد، فإذا قدّمت رواية، يعتب علي الشعر، وإذا قدمت الشعر، يعتب عليّ الفكر… وبهذا التنويع أسست لنهضة اغترابية ثانية، قد يستميت كثيرون من أجل إطفائها أو التقليل من شأنها. وما يدهشني فعلاً هذا الاتفاق غير المرئي لدى طائفة لا تهدأ ليلاً ونهاراً في سبيل التسخيف…لكنّ كثيرين أيضاً من النقاد والأساتذة الكبار والأدباء يعرفون قيمة أعمالي وتضحياتي، وللذهب خبراء، كما لكل شيء، وهؤلاء أعوّل عليهم، وأندفع إلى الأمام مهما كانت الظروف. فالذي يقول إن النهضة الاغترابية الثانية غير موجودة يحرّضني على فعل المزيد من أجلها، والذي يعترف بها، يشجعني على فعل المزيد أيضاً… وهكذا سأمضي نحو قضيّة تساوي حياتي… ولا أتراجع عنها.
***
(*) مشروع الأديب د. جميل الدويهي “أفكار اغترابية” للأدب الراقي – سيدني 2021