جميل الدويهي: أتركوا الأدباء يرتاحون بسلام

 

 

عندما أخذ المتنبّي من الهيثم بن الأسود النخعي الكوفي المعروف بابن العربان، بيته المغمور:

أنا ابن الفلا والطعن والضرب والسَّرى          وجُرْد المذاكي والقَنا والقواضبِ، كان يشفع لأبي الطيّب أنّه شاعر، وأراد أن يحاكي بيتاً لمن سبقه… كذلك عندما أخذ عمر بن أبي ربيعة قول امرئ القيس: وهل يخفى الهلال إذا أطلّْ؟ وجعله “وهل يخفى القمر؟” يشفع له أيضاً أنه شاعر، وكان مُغرماً بطريقة جدّ الشعراء امرئ القيس. فما هي شفاعة من هم غير شعراء وغير أدباء ليصادروا أعمال غيرهم وينسبوها إلى مقاماتهم، أو ينشروها على صفحاتهم؟

وقعتْ تحت يدي أعمال احتيالية قام بها “شعراء”، نسخوا حرفيّاً قصائد من شاعر آخر، وغيّروا فيها كلمة أو كلمتين، ونسبوها لأنفسهم، ونشروها في كتب… وخدعوا وسائل إعلام، وكذبوا عليها… وهي وقاحة ما بعدها وقاحة، ولصوصيّة، وسرقة جرميّة، خصوصاً إذا كان الشاعر الأصيل، صاحب القصيدة، ميتاً.

وعلى الرغم من أنّ قوانين الدول سمحت باستخدام التراث، بعد مضي مئة سنة من موت صاحبه، فإن من العيب أن ينسب شاعر قصيدة أبي تمّام “فتح عمورية”، أو قصيدةالبحتري في وصف بركة المتوكّل لنفسه، فيغيّر بعض الكلمات فيها ويتباهى بأنّها له، وينشرها في كتاب أو في صحيفة، أو يتبجح بقراءتها في إذاعة. ووصلت قلة الأمانة إلى حد أن يقوم البعض بشراء نصوص أدبية من أجل الشهرة واللحاق بالركب، في ظاهرة غير مسبوقة، وأقلّ ما يقال فيها إنّها تدلّ على انحطاط.

في رسالتي للماجستير (1985-1988)، انتقدتُ الأديب الكبير صلاح لبكي لأنه أخذ من طاغور أقصوصة “طليق وسجين” ونسبها لنفسه في كتابه “من أعماق الجبل”… فهذا أمر لا يستطيع الدارس التغاضي عنه. أمّا اليوم، فقد هيّأت وسائل التواصل لكل من حَبا ودَبا أن يأخذ ما يشاء، فشاعت سرقة النصوص، خصوصاً تلك غير الموقّعة باسم صاحبها، حيث يدخل أي امرئ إلى صفحة، و”يلطش” ما يعجبه، وينشر على صفحته، فيبدو للعيان أنه هو الكاتب الأصلي، و”نضيع بين حانا ومانا. وتضيع لحانا”… ناهيك عن مبتدئين، لم يمض على دخولهم عالم الأدب سوى بضعة أشهر، فإذا بهم يكتبون القصيدة العموديّة أفضل منّي، وقد أمضيت خمسين سنة من عمري ولم أتعلّمها بعد. فمَن يكتب لهم؟ وكيف وصلوا إلى القِمم وهم لم يبدأوا؟

إنّني أثني على السلطات اللبنانية والمصرية، لأنها كانت سباقة في مطاردة مَن ينتحلون صفات أكاديمية، وأطالب بأن تكون هناك هيئة تابعة لوزارة الثقافة، تتلقّى شكاوى الناس الذين سُرقت حقوقهم، وتترصّد من يسطون على النصوص، وتعاقبهم، وتشهّر بهم علناً ليكونوا عبرة لمن يعتبر.  فسرقة النص والفكرة أكثر بشاعة من سرقة السيارات وأثاث المنازل، وتزوير العملة… وقد صار عندنا من هؤلاء السارقين مَن يملأون سجن رومية، وتضيق بهم المعسكرات.

***

(*) مشروع الأديب د. جميل الدويهي “أفكار اغترابية” للأدب الراقي – سيدني

اترك رد