رَسْمِي! 

 

 

واُحَدِّقُ إِلى رَسْمِي القَدِيمِ، فَأَرَى مَواكِبَ الأَيَّامِ وقد نَأَت في الأُفقِ البَعِيدِ، واكتَنَفَها ضَبابٌ، ووَشَّحَتها كآبَة…

مَواكِبُ عُمرِي تَتْرَى، مِنَ الطُّفُولَةِ إِلى الصِّبا، فالشَّبَابِ، فالكُهُولَةِ، ثُمَّ مَشارِفِ الشَّيخُوخَة؛ مَواكِبُ نَضارَةٍ… بَعدَ يَنْعِها، وإِشراقِها، تَذْوِي، والثَّوانِي في رَحِيل…

وأُطبِقُ أَجفانِي،  وأُبحِرُ في أَعماقِ رَسمِي، عَسَى أَن أَحظَى بِرَبِيعِيَ الهارِب، ولو بِالنَّجوَى، فأَجثُو، لَدَى عَتَباتِهِ، وأَنهَدُ إِلى طَراوَةِ نَداهُ، في مَيْعَةِ أَسحارِه، وإِلى وَشوَشاتِ نَسائِمِهِ لِمُنحَنَياتِهِ الخُضْرِ، وإِلى تَسابِيحِ رُباه، وَوِهادِه!

 

رَسمِي! وأَينَكَ مِنْ غَدِي؟! يا مَيْعَةَ العُمْرِ النَّدِي

يا طَلَّةَ الأَمَلِ المُنَوَّرِ في الإِطارِ المُوصَدِ

يا لَسعَةَ الوَجدِ المُهاجِرِ لِلوَراءِ الأَبعَدِ

أَرنُو إِليكَ! فَرِعدَةٌ تَسرِي بِمَتنِي المُجهَدِ

وجَوارِحِي تَصبُو فَفِيكَ غِوَى القَوامِ الأَغيَدِ

أَينَ الهَوَى المِمراحُ في فَنَنِ الشَّبابِ الأَملَدِ؟!

أَينَ الجَوَى يَكوِي الحَشَى؟! فَالقَلبُ لَهفانٌ صَدِ

أَينَ اندِفاعِي كُلَّما شَفَةٌ تَهُمُّ بِمَوعِدِ

أَو قامَةٌ، مِمَّا اصطَفَى رَبُّ التَّناسُقِ تَرتَدِي

تُومِي، فَبِي عَزْمُ النُّسُورِ، وهِمَّتِي في الفَرقَدِ؟!

رَسْمِي! وفِيكَ نَضارَةُ العُمرِ الصَّبِيحِ، الأَمجَدِ

هَلَّا رَدَدتَ مِنَ الأَمانَةِ ما يُعِيدُ لِمَوقِدِي

جَمْرَ الصِّبا المُنسابِ أَحلامًا بِصَفْوِ المَعبَدِ

هَلَّا رَدَدتَ شَذا الغَضارَةِ، واندِفاقَ المَورِدِ

ونَضارَةً كانَت نَسِيجَ إِهابِيَ المُتَجَعِّدِ

هانِي أَمامَكَ! بُردَتِي رَثَّت، وأُسقِطَ في يَدِي

فاقبَل! فَدَيتُكَ بِالنَّفِيسِ مِنَ الحَصادِ الأَوحَدِ

بَدْعِ اليَراعِ مِنَ القَوافِي في البَيانِ الأَجوِدِ!

***

رَبَّاه! لَستُ بِجاحِدٍ يَومِي، ولا أَخشَى غَدِي

لكِنْ! أَعُمْرٌ مُدبِرٌ يَحلُو كَعُمْرٍ مُبتَدِ؟!

يا لَيتَ شِعرِي لو نَعُودُ ولو لِعامٍ مُفرَدِ

لِسَنا الشَّبابِ، ودِفْئِهِ، وجَمالِهِ المُتَجَدَّدِ!

اترك رد