أزمة المحروقات في صيدا: تراجع حركة السيارات ومشروع جديد للنقل المشترك

 

تحقيق – حنان نداف

لا تشبه حركة السير في طرقات وشوارع مدينة صيدا نفسها قبل استفحال ازمة المحروقات وارتفاع أسعارها، فغلاء صفيحة البنزين والديزل حول مشهد الاكتظاظ الذي كانت تشهده الشوارع الداخلية والطرقات الرئيسية فيها الى حركة سير خفيفة وشبه منعدمة في أيام العطل وحتى في أوقات الذروة من النهار. صفيحة البنزين التي تخطت المئتي ألف ليرة وارتفاع سعر تعرفة النقل العام الذي أصبح يراوح من عشرين الى ثلاثين ألف ليرة ضمن المدينة، فضلا عن ارتفاع كلفة غيار قطع السيارات وصيانتها، جعلت من الكثيرين يستغنون عن “المشاوير” ليصبح التنقل بالسيارة مقتصرا على الضرورة.

هذا الواقع دفع بالمواطنين الى اعتماد بدائل اقتصادية و”وفيرة على الجيبة” وعلى قاعدة “الغاية تبرر الوسيلة”، فمنهم من أصبح يقضي مشاويره سيرا على الاقدام ومنهم من لجأ الى الدراجة الهوائية والكهربائية والدراجة النارية، على الرغم من ان الاخيرة محظورة في المدينة منذ نحو اثنين وعشرين عاما. إلا انه ومع استفحال الازمة، اضطر الكثير من المواطنين الى اعتمادها كوسيلة اقتصادية في التنقل بالتوازي مع تحركات ولقاءات لإعادة شرعنتها بالنظر الى الواقع المستجد إذ أصبحت ضرورة.

وبدا لافتا أيضا اعتماد “التوك توك” ورصده ولو بعدد قليل جدا في شوارع المدينة وهو عبارة عن دراجة بثلاث عجلات بخيمة بشكل “ميني سيارة” سعة أربعة أشخاص. ويتوقع عدد من المواطنين أن نشهد في الأيام المقبلة انتشارا أوسع لهذه الوسيلة نظرا لقلة استهلاكها مادة البنزين ولأنها عملية أكثر في التنقل.

صباغ

ودفعت أزمة غلاء البنزين بمعلمة الرياضة في إحدى مدارس المدينة ايمان صباغ الى الاعتماد على الدراجة الكهربائية للذهاب الى مكان عملها. وقالت في حديث لـ”الوكالة الوطنية للاعلام: “إن فكرة أن استقل دراجة كهربائية بدأت عند ظهور طوابير السيارات على محطات الوقود في تموز الماضي وشعرت انني غير مضطرة الى أن أعرض نفسي الى الاذلال والانتظار لساعات طويلة أمام المحطات فاتخذت قرارا بشراء دراجة كهربائية لقضاء احتياجاتي واحتياجات العائلة ضمن المدينة فهي من جهة فكرة عملية واقتصادية في آن، خصوصا أن سعر صفيحة البنزين في تصاعد مستمر”.

وتابعت: “في البداية، عارض عدد من أفراد العائلة الفكرة ولكن والدي وإخوتي كانوا مع الفكرة واقنعوا باقي أفراد العائلة. أما بالنسبة لكوني إمرأة أتنقل على الدراجة الكهربائية ولربما هذا المشهد غير مألوف في مدينة صيدا فقد كانت الأصداء إيجابية فقد كنت أسمع تشجيعا من كثير من المواطنين عند رؤيتي في الشارع والكل كان يقول لي “برافو عليكي هيك لازم”.

وتعتبر صباغ انه “اليوم وبعدما تخطى سعر صفيحة البنزين المئتي ألف ليرة لا يمكن لنا ان نستقل سياراتنا للحضور الى أعمالنا حيث يصبح الراتب الشهري فقط لتفويلة البنزين”.
وقالت: “من هنا أنا أفكر الآن جديا بشراء دراجة نارية لكونها أسرع من الكهربائية وهي اقتصادية لناحية مصروف البنزين. أما في ايام الشتاء فيمكن أن أضع خيمة وأرتدي ملابس واقية”.

وختمت: “هذا الواقع فرض الكثير من المتغيرات، لذلك علينا إيجاد الحلول والبدائل لأن الحياة تستمر على أمل أن يتغير هذا الواقع السيء الذي نعيشه”.

حبلي

وقال القائد الكشفي مصطفى حبلي الذي استغنى بدوره عن سيارته في مقابل الاعتماد على دراجة هوائية ونارية في تنقلاته ضمن المدينة: “منذ بداية أزمة المحروقات تشاورت مع العائلة وطلبت منهم التفكير بأمور اقتصادية وتخفيف المشاوير وقررنا ان نستغني عن سياراتنا ونستخدم الدراجة الهوائية فمن جهة تشكل رياضة للجسم ومن جهة أخرى توفر استهلاك البنزين الذي بات سعره مرتفعا جدا على الجيبة والراتب. أما التنقلات التي تحتاج الى مسافات أبعد ضمن المدينة فنستخدم الدراجة النارية التي أصبحت منتشرة بشكل كبير. وهنا ننتهز الفرصة للمطالبة بضرورة تنظيم سيرها حرصا على السلامة العامة”.

أضاف: “هذه الأزمة دفعتنا الى تغيير أو تعديل الخطة الحياتية. واللبناني بطبعه مبتكر ولا يقف عند شيء ويجد الحلول لتسيير أعماله وشؤونه اليومية وتحويل الأزمة الى فرصة على أمل أن تتحسن الظروف ويجد المعنيون الحلول المناسبة لكل هذه الأزمات”.

البابا

أما المواطنة زهرة البابا التي تقضي حاجاتها ضمن المدينة سيرا على الاقدام فقالت: “لقد استغنيت منذ زمن عن التنقل بسيارات الاجرة واليوم أكثر من أي وقت مضى بفعل الواقع الذي نعيشه بحيث بت أقضي كل مشاويري سيرا على الاقدام. انتقل من منزلي الى مكان العمل سيرا وذلك رياضة مفيدة للجسم وبسبب ارتفاع تكلفة النقل العام. السيارات العمومية تتقاضى من خمس عشرة ألف الى عشرين ألف ليرة وبعضهم ثلاثين ألفا على الإيصال ضمن مدينة صيدا وهذا أمر مكلف جدا بالنسبة لي واذا اردت في كل يوم أن أدفع أربعين ألف فقط أجرة مواصلات فلن يكفيني راتبي الشهري.

النقل المشترك

ومع الارتفاع المستمر في سعر المحروقات وغياب أي خطط بديلة من قبل المعنيين في الدولة، ولدت فكرة مشروع “واصل” في خطوة لتخفيف المعاناة وحتى يتمكن المواطنون من الوصول الى أشغالهم. والفكرة اعلنت عنها بلدية صيدا كمشروع للنقل العام في المدينة بالتعاون مع شركة البيلاني للنقليات وبتعرفة نقل رمزية تبدأ بسبعة آلاف ليرة حيث سيعمل نحو ست باصات سعة 33 راكبا لكل باص ومجهزة بكاميرات و”واي فاي” تتوزع على ستة خطوط: أربعة منها ما بين صيدا وشرقها وخطان دائريان يسيران من شمال المدينة عند مدينة رفيق الحريري الرياضية الى جنوبها عند سينيق.

كزبر

ويقول عضو مجلس بلدية صيدا كامل كزبر عن المشروع: “كمرحلة أولى، سندخل في المشروع بأقل التكاليف وسيكون هناك نحو 75 محطة وستكون الباصات مجهزة بالكاميرات و”واي فاي” وسيكون هناك بطاقة إلكترونية للمشتركين”.
ولفت الى أن “السعر سيكون رمزيا للتخفيف على المواطن ولأن الفكرة انطلقت أساسا في ظل أزمة المحروقات وفي ظل تراجع استخدام السيارات من قبل العديد من المواطنين بسبب ارتفاع التكلفة فكانت فكرة النقل العام “واصل” هو من أجل مساعدة المواطن والوقوف الى جانبه وحتى يتمكن الجميع من الوصول الى أشغالهم”.

وتابع: “سيكون هناك خطوط تربط ما بين صيدا وضواحيها: خط الصالحية- مجدليون- عبرا- ساحة النجمة. خط الفيلات- التعمير العربي- الشهداء- ساحة النجمة. خط عين الدلب- الحارة- ساحة النجمة. خط شرحبيل- بقسطا- ساحة النجمة، بالاضافة الى خطين دائريين ضمن مدينة صيدا من جامع الحريري شمالها وحتى سينيق جنوبها وبالعكس”.
ولفت كامل الى أن “التعرفة ستبدأ بسبعة آلاف ليرة لبنانية وسيتم تحديدها بحسب بعد أو قصر المسافة.
وأمل كزبر “انطلاق المشروع في أقرب وقت ونجاحه في مرحلته الأولى ليتم تطويره كفكرة في خدمة الناس والتخفيف عنهم في ظل الواقع الصعب الذي نعيشه”.

تحديات تواجه المشروع

ولفت مدير شركة البيلاني ومنسق مشروع “واصل” مع بلدية صيدا عدنان البيلاني الى أن “فكرة المشروع متقدمة جدا وتشبه فكرة النقل المشترك المطبقة في أوروبا لناحية التقنية المعتمدة، فالباصات حديثة وستكون مجهزة بكاميرات من اجل السلامة العامة و”واي فاي” لـ”الفايسبوك” والـ”واتساب” من أجل تعقب الباص ومواقيت الوصول الى المحطات المعتمدة”.
واعتبر انه “بالرغم من ذلك، يواجه المشروع تحديات عدة أولها أن الباصات غير مجهزة بنمر عمومية وأن الموضوع قيد المتابعة من قبل نواب المدينة ولا سيما النائب بهية الحريري مع وزارة الداخلية من أجل تأمين نمر عمومية للباصات وبالتالي تصبح العملية قانونية وأكثر انتظاما”.

وقال: “أما التحدي الثاني، فإنه فور الإعلان عن المشروع تصاعدت أصوات معارضة له ولا سيما من قبل سائقي السيارات العمومية الذين اعتبروا أنه يؤثر عليهم نظرا لرخص التعرفة وأن هذا الامر يتطلب تغطية ومواكبة أمنية للباصات حرصا على سلامة المواطنين.

أما التحدي الثالث، فهو أن أرباح المشروع صفر وأنه إذا لم يكن هناك إقبال كبير من المواطنين على ارتياد الباصات، فسنتكبد خسائر كبيرة خصوصا أن سعر الديزل في ارتفاع ويتم احتسابه على سعر صرف الدولار في السوق وبالتالي فإن المشروع يتطلب دعما من المعنيين من أجل إنجاحه وضمان استمراريته”.

وختم البيلاني: “المشروع سيكون تجريبيا في مرحلته الأولى لأنه لا يزال قيد التطوير وهناك أمور لوجيستية بحاجة الى تعاون الجميع ولا سيما البلديات المجاورة مثل تجهيز محطات الانتظار في المناطق ضمن نطاق البلديات المجاورة فالتعاون مطلوب من قبل الجميع حتى نتمكن من خدمة المواطن والتخفيف قدر الامكان في ظل هذه الظروف”.

***

(*) الوكالة الوطنية للإعلام

اترك رد