شَمْشُون ودَلِيلَة! 

    

 

إِنَّ الخِيانَةَ لَيسَ يَغسِلُها            مِن خاطِئٍ دَمْعٌ ولا نَدَمُ

                                     (عَدنان مَرْدَم)

بَلَغَ جَدِّي لِأُمِّي تِسعِينَهُ، ولَمَّا يَزَلْ عَقْلُهُ نَيِّرًا، وذاكِرُتُهُ وَقَّادَةً، وإِنْ كان الوَنَى قد طَغَى على مَفاصِلِهِ، وعَمَّتِ الغُضُونُ في وَجهِهِ والجَبِين.

كان تارِيخًا في رَجُلٍ، يَطرَبُ لِلأَحادِيثِ، ويَستَهوِيهِ أَن يَستَلَّ مِن ذاكِرَتِهِ الحُبْلَى أَخبارًا ورِوايات.

ويَومًا، شُغِلَ النَّاسُ في قَريَتِنا بِجَرِيمَةِ قَتلٍ جَرَت في البَلدَةِ المُجاوِرَةِ جَمْلُون. فَقالَ لِي جَدِّي: حَصَلَ عِندَنا، قَدِيمًا، جَرِيمَةٌ أَفظَع. فَسَأَلتُهُ عَنها، فَتَدَلَّلَ قَلِيلًا لِإِثارَتِي، مُرْجِئًا الحِكايَةَ إِلى يَومٍ آخَر، لِما يَعلَمُ بِشَغَفِي الشَّدِيدِ بِما يَروِي . ولَمَّا أَصرَرْتُ، تَنَهَّدَ طَوِيلًا، وأَغمَضَ عَينَيهِ لِلَحَظاتٍ، ثُمَّ حَدَّقَ إِليَّ وقال: إِسمْعْ يا بُنَيّ…

***

وَهِيب – أَبُو أَسعَد – في العَقْدِ الخامِسِ مِن عُمرِهِ، مَمشُوقُ القَدِّ، بَهِيُّ الطَّلعَةِ. حاجِباهُ كَثِيفانِ عَرِيضانِ طَوِيلانِ، وشارِبُهُ مَعقُوفٌ أَبَدًا، يَحرِصُ على تَنسِيقِهِ كُلَّ صَباحٍ قَبلَ خُرُوجِهِ مِنَ المَنزِل. لَكَأَنَّ الزَّجَّالَ عَناهُ حِينَ قال:

رَفّ العقابْ وما وِقِفْ عا شارْبُو          خايِفْ لا يِتْشَنْكَحْ بِقَفْلِةْ حاجْبُو

يَنتَعِلُ جَزْمَةً تَصِلُ أَسفَلَ الرُّكْبَةِ، وبِنْطالًا لِرُكُوبِ الخَيْلِ، ويَحمِلُ «بَسْتُونَة»(1). سَرِيعٌ إِلَى الجُلَّى، تُخْشَى مُجابَهَتُهُ وتَحَدِّيه. يَقتَنِي بُندُقِيَّةً أَلمانِيَّةً مِن طِرازِ ماوْزر 1898، مَعرُوفَةً بِاسْمِ G 98، يَتَباهَى بِها أَمامَ أَصحابِهِ، وساعَةَ يُعَدِّدُ صِفاتِها يَكادُ لا يَتَوَقَّفُ، ولا يُقَصِّرُ في الغُلُوّ.

مِن مَوالِيدِ دارِ الكَرْمِ عام 1870. لَم يَكُنْ مُوثِرًا، بَل كانَ يَملُكُ حَقْلَي زَيتُونٍ وكَرْمًا مِنَ العِنَبِ والتِّيْن. وكانَ، مِن حِينٍ لِآخَرَ، يَلعَبُ القِمارَ، مَع كُهُولٍ مِنَ القَريَةِ، في قَبْوِ أَبِي حَنَّا البَعِيدِ المُنعَزِل.

بَيتُهُ قِرمِيدِيٌّ واسِعٌ، يُعرَفُ بِــ «الحارَة»، انتَهَى إِلَيهِ أَبًا عَن جَدٍّ، مع بَعضِ اللِّيراتِ «العِثْمَلِّيَّة» الَّتي ما يَزالُ يَحتَفِظُ بها. يَتَأَلَّفُ مِن طابَقَينِ، الأَسفَلِ يَدعُوهُ القَبْوَ، يَشتَمِلُ على غُرفَتَينِ صَغِيرَتَينِ جِدًّا، وثالِثَةٍ أَوسَعَ يَتَفَرَّعُ مِنها قَبْوٌ ذُو عَقْدٍ وَضَعَ وَهِيبُ على كُلِّ حائِطٍ مِنهُ مَقْعَدًا بِطُولِهِ، وفي زاوِيَةٍ طاوِلَةً صَغِيرَة، وفَرَشَ أَرضَهُ بِالبُسطِ الوَثِيرَة.

رُزِقَ عام 1891 بِابْنٍ سَمَّاهُ أَسعَد. تُوُفِّيت زَوجَتُهُ في عُمْرِ الأَربِعِينَ، إِثْرَ نَوبَةٍ قَلبِيَّةٍ، فَتَرَكَت في قَلبِهِ حُزْنًا كَبِيرًا، وأَودَعَتهُ وَحِيدَهُما أَسعَد الَّذي باتَ جُلَّ وَكْدِهِ، فَراحَ يَبنِي عَلَيهِ الآمالَ العِراضَ، فَدَلَّلَهُ وما تَوانَى في البَذَخِ عَلَيه.

شَبَّ أَسعَد سَكُوتًا، سَرِيعَ الغَضَبِ، خَدُومًا، لا يَتَوانَى إِذا دُعِيَ لِمَعُونَة. مُتَوَسِّطُ القامَةِ، صُلْبُ الهَيكَلِ، عَضِلٌ، تُخشَى قَبضَتُهُ، ويُتَحامَى حَنَقُه.

لَم يَجِدِ العِلْمُ في نَفسِهِ هَوًى، فَكانَ أَنْ تَوَصَّلَ إِلى «فَكِّ الحُرُوفِ» بَعْدَ لَأْيٍ ومُعاناة. فَهَجَرَ الرِّيشَةَ والدَّواة. ولَمَّا كان وَهِيبُ يُرِيدُهُ مُهابًا مِثلَهُ، فَإِنَّهُ لَقَّنَهُ شُؤُونَ بُندُقِيَّتِهِ، مِن حَمْلٍ وتَصْوِيبٍ، ومِقْبَضِ أَمانٍ، وعُرْوَةِ قُفْلٍ، وخَزَّانِ طَلَقات. وحِينَ بَلَغَ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ مِنَ العُمْرِ، شاءَ أَن يُزَوِّدَهُ بِعُدَّةٍ يُواجِهُ بِها الحَياةَ يَومَ سَيَكُونُ وَحِيدًا في خِضَمِّها، فَدَرَّبَهُ على شِراءِ – «ضَمانِ» – مَواسِمِ الزَّيتُونِ والعِنَبِ مِنْ أَصحابِها لاستِثمارِها، فَما خَيَّبَ ظَنَّهُ كما حَصَلَ في مَيدانِ العِلْمِ، فَنَجَحَ في عَمَلِه. ثُمَّ تَوَسَّعَ فِيهِ فَراح يَشتَرِي اللَّوْزَ من قَريَتَي بَقْسْمَيَّا وحُلْتا البَترُونِيَّتَين. وكان لِذلكَ يَذهَبُ مع مَكارِيٍّ خَبِيرٍ في حَوْزَتِهِ أَرْبَعُ دَوابٍّ، اعتادَ على الاستِعانَةِ بِهِ لِخِبْرَتِهِ في هذا المَجال.

***

تَنامَى اللَّغَطُ في القَريَةِ حَولَ عَلاقَةٍ تَربِطُ وَهِيبًا بِصُوفِيا الأَرمَلَةِ الَّتي كان يَمُدُّ لَها يَدَ المُساعَدَةِ في العِنايَةِ بِأَرزاقِها المُتَواضِعَة. وكانت ابنَتُها الوَحِيدَةُ «دَلِيلَة» بِعُمْرِ ابنِهِ أَسعَد، فَكانا على تَواصُلٍ دائِمٍ، ما وَلَّدَ هَوًى بَينَهُما كان يَعنُفُ لِما لِلَّصبِيَّةِ مِن قَسْطٍ لا بَأسَ بِهِ مِنَ الجَمالِ، وجُنُوحٍ إِلى الإِغواءِ، وفُنُونِ الوَصْلِ والصَّدّ. وتَمَّ زَواجُهُما في العام 1913، بِرِضًى وتَدبِيرٍ مِنَ الوالِدِ والأُمّ.

سَكَنَ أَسعَد مع عَرُوسِهِ في بَيتِ والِدِهِ الوَسِيع.

مَرَّت أَيَّامُ «العَسَلِ» سَرِيعَةً، وبَدَأَت نَمَطِيَّةُ العَيشِ تَتَسَلَّلُ إِلى مَفاصِلِ حَياتِهِما، وتَتَوالَدُ المَآزِقُ مع كُرُورِ الصَّباحات. وكانَ أَدهاها وأَمَرُّها عَدَمُ إِنجابِ أَولادٍ، ما نَغَّصَ عَيشَهُما، وبَدَأَت المُناقَراتُ تَكُرُّ بِوَتِيرَةٍ تَتَزايَدُ مع الأَيَّام.

لاحَظَ أَسعَد أَنَّ أَباهُ يُناصِرُ دَلِيلَةَ في أَغلَبِ مُشاكَساتِهِما. وحِينَ يَكُونُ الحَقُّ بَيِّنًا إِلى جانِبِهِ، كان يَتَّخِذُ مَوقِفَ المُناصِحِ المُهَدِّئ.

باتَ الابْنُ يَضِيقُ بِالسَّكَنِ مع الأَبِ ذَرْعًا، ولكِنْ… لَم يَكُنْ في يَدِهِ حِيلَةٌ، فَاقتِناءُ مَنزِلٍ مِنَ الأُمُورِ العَسِيرَةِ جِدًّا.

عادَ يَومًا مِن زِيارَةِ صَدِيقٍ لَهُ في جَمْلَونَ فَلَم يَجِدْ أَحَدًا في البَيت. وبَعدَ ما يُقارِبُ السَّاعَةَ دَخَلَت دَلِيلَةُ، فَأَبدَت دَهشَتَها مِن رُجُوعِهِ سَرِيعًا، فَسَأَلَها أَينَ كانَت، فَأَجابَت: أَخَذْتُ الزَّادَ لِأَبِيكَ، فهو في الكَرْم. فَقال: ولِمَ لَمْ يَأْخُذْها مَعَه. فَتَلَعْثَمَت في الإِجابَة: لا أَدرِي. فَسَكَتَ على مَضَضٍ، ثُمَّ ابتَعَدَ عَنها.

كانَ يُلاحِظُ، مِن آنٍ لِآخَرَ، تَغامُزًا بَينَ زَوجَتِهِ وأَبِيهِ، فَظَنَّ، بَداءَةً، أَنْ قَد خُيِّلَ لَهُ هذا. ولكِنَّ الأَمرَ تَكَرَّرَ، فَباتَ يُرَكِّزُ انتِباهَهُ على تَصَرُّفاتِهِما، ويُقِيمُ، في عَقلَهِ، تَشرِيحًا وتَحلِيلًا لَها.

وكانَ، كُلَّ ما أَرهَقَهُ تَفكِيرُهُ بِهذا الشَّأنِ، يُقنِعُ نَفسَهُ بِأَنَّ ما يَنتابُهُ مِن وَساوِسَ هو مَحْضُ أَوهام. ولكِنَّ الرَّاحَةَ الواهِيَةِ هذه لا تَطُولُ، فَتَرجِعُ الظُّنُونُ صَخَّابَةً في ضَمِيرِهِ، تُفْسِدُ عَلَيهِ هَناءَةَ النَّهارِ، وأَحلامَ اللَّيل.

ذاتَ يَومٍ حَصَلَت مُشادَّةٌ بَينَهُ وبَينَ شُبَّانٍ في ساحَةِ القَريَةِ في شَأْنِ اختِيارِ ناطُورٍ لِلأَرزاق. وتَطَوَّرَ النِّقاشُ إِلى تَماسُكٍ بِالأَيدِي، فَضَرَبَ أَحَدَهُم بِقَبضَتِهِ الشَّدِيدَةِ فَرَماهُ أَرضًا، وانْفَتَلَ مِنَ السَّاحَةِ، وما ابتَعَدَ قَلِيلًا حَتَّى تَناهَى إِليهِ صَوْتٌ خافِت: «يرُوحْ يشُوفُ بَيُّو ومَرْتُو قَبْل ما يِجِي يِعْمِلْ قَبَضايْ علَينا».

تَظاهَرَ بِعَدَمِ السَّمْعِ، وتابَعَ مَسِيرَهُ، ثُمَّ سَلَكَ طَرِيقًا زِراعِيَّةً بَينَ الحُقُولِ، والأَفكارُ تُلهِبُ رَأْسَه.

مَرَّت ساعَتانِ وهو هائِمٌ في الطَّبِيعَةِ، يَرسُمُ خُطَطًا ويَمحُوها، ثُمَّ يَرسُمُ ويَمْحُو، حَتَّى استَقَرَّ أَخِيرًا على واحِدَةٍ، فَقَفَلَ راجِعًا.

***

بَعدَ يَومَينِ، وفي صَباحٍ مِن أَواخِرِ تَمُّوزَ مِنَ العامِ 1920، انطَلَقَت قافِلَةٌ مِنْ رَجُلَينِ وسِتِّ دَوابّ. كانَ أَسعَدُ يَمتَطِي واحِدَةً ويَسِيرُ في المُقَدِّمَةِ، وفي المُؤَخِّرَةِ كان المَكارِيُّ أَبُو يَعقُوبَ يَحْدُو بِالرَّكْبِ، مُتَنَقِّلًا بَينَ العَتابا الحَنُونَةِ، والشُّرُوقِيِّ الحَزِين.

اجتازا نَهْرَ العُصْفُورِ، وأَكمَلا صُعُودًا إِلى دَيْرِ سَيِّدَةِ كَفْتُونَ على ضِفَّةِ نَهْرِ الجَوْزِ، حَيثُ اعتادا على الاستِراحَةِ، وتَناوُلِ الغَداء.

في مُعْتادِ أَمرِهِما كانا يَبِيتانِ في اليَومِ الأَوَّلِ عِندَ شَرِيكِ أَسعَدَ في التِّجارَةِ، في قَريَةِ حُلْتا، ويَعُودانِ في اليَومِ الثَّانِي، لِيَبلُغا دارَ الكَرْمِ في العَصْر.

لكِنَّ المَرَّةَ هذهِ اختَلَفَت، فَبَعدَ قَيْلُولَتِهِما فاجَأَ أَسعد أَبا يَعقُوب: صاحِبِي، سَتُكمِلُ الرِّحلَةَ بِمُفرَدِكَ، وأَنا سَأَعُودُ لِأَنِّي أَشعُرُ بِتَوَعُّكٍ، وأَخشَى أَن يَتَفاقَمَ إِذا أَكمَلتُ.

فَأَجابَهُ بِلَهفَة: لَنْ أَترُكَكَ، ونَعُودُ سَوِيَّةً.

أَصَرَّ أَسعَد عَلَيهِ، جازِمًا، بِحُجَّةِ أَنَّ شَرِيكَهُ في حُلْتا قد أَعَدَّ كُلَّ شَيءٍ ويَنتَظِر.

رَضَخَ الرَّجُلُ، وأَكمَلَ المَسِير. أَمَّا أَسعَد فقد عادَ أَدراجَهُ، والأَفكارُ تَصطَرِعُ في رَأسِهِ، حَتَّى كادَ، مِرارًا، أَن يَسقُطَ عَن ظَهْرِ راحِلَتِهِ، مِنْ تَرَنُّحِهِ، وضَجِيجِ الهَواجِسِ في رَأْسِهِ المَهْمُوم.

وَصَلَ إِلى نَهْرِ العُصفُورِ، فَلَجَأَ إِلى مُراحِ أَبِي طَنَّوسَ المَهجُورِ، فَدَخَلَ ودابَّتَهُ، فَرَبَطَها واضطَجَعَ على كَوْمٍ مِنَ القَشّ.

بَقِيَ هكذا حَتَّى التَّاسِعَةِ لَيْلًا، وعِندَها انطَلَقَ عائِدًا إِلى القَريَة.

على مَقْرُبَةٍ مِن بَيتِهِ، رَبَطَ الدَّابَّةَ إِلى جِذْعِ شَجَرَةٍ، وانْسَلَّ في هُدُوءٍ حَتَّى النَّافِذَةِ الخَلفِيَّةِ، فَإِذا الدَّوْرُ العُلْوِيُّ غارِقٌ في الظُّلمَةِ، فَنَزَلَ إِلى السُّفْلِيِّ، واستَدارَ نَحوَ الكُوَّةِ الصَّغِيرَةِ الواطِئَةِ، مُتَنَصِّتًا، فَسَمِعَ وَشوَشاتٍ وضَحِكاتٍ مَكتُومَةً، وبَلَغَهُ لُهاثُ دَلَيلَةَ المَحْمُومُ وفَحِيحُها، وغَرْغَرَتُها: «يا لَيْت إِبنَكْ فَحْل مِثْلَك»…

كادَ يَنفَجِرُ غَضَبًا، فَخَفَّ إِلى الطَّابَقِ الأَعلَى، وأَتَى بِالبُندُقِيَّةِ والمِفتاحِ الثَّانِي  لِلقَبْوِ، وعادَ فَدَخَلَ على رُؤُوسِ أَصابِعِه.

سَمِعَ وَهِيبُ صَرِيرَ البابِ فَانتَصَبَ مَذعُورًا وصَرَخ: مَنْ؟ واتَّجَهَ يَستَطلِعُ الأَمرَ وهو شِبْهُ عارٍ. وفي لَأْلَأْةِ الدَّغَشِ المُخَيِّمِ لَمَحَ ابنَهُ، وبارُودَتَهُ الأَثِيرَةَ مُصَوَّبَةً نَحوَهُ ولَمْ تَنتَظِرْ ما هَمَّ بِهِ، وإِذْ… دَوَّتْ طَلْقَةٌ، مَزَّقَتِ الصَّدْرَ العارِيَ، وقَضَّت سُكُونَ تِلكَ اللَّيلَةِ السَّاجِيَةِ مِنْ دارِ الكَرْم.

هَبَّت دَلِيلَةُ صارِخَةً مُرتَعِشَةً مَذعُورَةً، مُحاوِلَةً الفِرارَ، فَتَلَقَّاها الزَّوْجُ المَخدُوعُ بِضَربَةٍ مِنْ عَقِبِ البُندُقِيَّةَ على رَأْسِها الحالِمِ، حَمَّلَها كُلَّ حِقْدِهِ واهتِياجِه. شَخَبَ الدَّمُ مِنَ الرَّأْسِ المَصْدُوعِ، وسَقَطَ الجَسَدُ المُغْوِي، وكانَ سُقُوطُهُ عَظِيمًا…

ارتَمَى الزَّوجُ على الأَرضِ قاعِدًا، مُسنِدًا رَأسَهُ إِلى الحائِطِ، فاغِرًا فاهُ كَفُوهَةِ العَدَمِ، مُغْمِضًا عَينَيهِ على صُورَةِ «شَمشُون ودَلِيلَة»(2)، وعاقِبَةِ عائِلَةٍ طَواها القَدَرُ المَشْؤُوم…

***

(1): الــ «بَسْتُونَة»، والبَعضُ يَدعُوها الــ «خَيْزُرانَة»، كَلِمَةٌ عامِّيَةٌ

      تَعنِي قَضِيبًا لَيِّنًا ناعِمًا مَصْقولًا.

(2): شَمْشُون، مِن شَخصِيَّاتِ العَهْدِ القَدِيمِ، بَطَلٌ شَعْبِيٌّ اشتَهَرَ بِقُوَّتِهِ

      الأُسطُورِيَّة. أَحَبَّ امرَأَةً اسمُها دَلِيلَة، كانَت سَبَبَ هلاكِه.

اترك رد