(من الكتاب الفكريّ السادس “أفكار خارج العزلة” – يصدر عام 2022)
شعرت أنّ جدران بيتي أصبحت تضيق عليّ. سألت خبيراً في البناء، فقال: لا يمكن أن يصغر المنزل أو يكبر، إلاّ بإرادة منك… لكنّه همس لي: لقد علمتُ أنّك نمتَ ثلاثين سنة. وقد تكون زوجتك دهنت الجدران كثيراً من المرّات، بينما كنتَ نائماً… وسماكة الدِّهَان هي السبب الذي جعل المنزل يبدو أصغر من الداخل.
لكنّ زوجتي أنكرت أنّني قد غفوت طويلاً، أو أنّها دهنت المنزل، ولو مرّة واحدة.
قال بعض الجيران إنّهم رأوا مجموعة من الرجال والنساء، يحاصرون منزلي كلّ ليلة، ويضغطون على جدرانه، لعلّني أختنق في داخله، ويختنق صوتي، وتتحطّم قارورة الحبر التي دأبتُ أن أشرب منها، ولا أشرب الماء.
قرّرت أن أقف في وسط المنزل، وأفتح يديّ إلى مسافة بعيدة، لكي أسند الجدران، وأصبر، وأتمرّد… وسيبقى الصراع قائماً إلى نهاية الزمان، بين الذين كُتب لهم الانتصار، وبين مَن يطلبون الرغيف ولا يجدونه، فيقتلون ويخرّبون من أجله… وكم هو كبير الفرق بين الخبز الذي عجنته الملائكة، وأكله المختارون والمبدعون، ورغيف يابس يرفض أن يأخذه الشحّاذون، وتهرب من رائحته أسراب الغربان.
***
(*) مشروع الأديب د. جميل الدويهي “أفكار اغترابيّة” للأدب الراقي – 2021