قارُورَةُ عِطْر! 

جُوزف مهَنَّا

 

ما أَرسَخَ مُورِيس وَدِيع النَجَّار، جَبَلَ مَبادِئَ تَرتَفِعُ قِمَّتُهُ وتَشَّامَخُ حَصانَةً ومَكانَةً ورَصانَة. فَلَوْحُ وَعْيِهِ مَطْبُوعٌ على طَلاقَةِ البادِرَةِ، وسُرعَةِ الخاطِر. لا تَكِلُّ لَهُ عَزِيمَةٌ، على نَباهَةٍ قَلَّ نَظِيرُها سَبْكًا وحَبْكًا، ونَظْمَ قَلائِدَ، وصَوْغَ فَرائِدَ بِما يُشَنِّفُ الآذانَ، ويُسكِرُ الأَلبابَ، ويَجعَلُ مِن طُولِهِ رُمْحًا كَرُمَت سَرِيرَتُهُ، ونَزُهَت مَقاصِدُه.

أَمَّا في مَناعَةِ الحَوْزَةِ(1)، وحَصانَةِ النَّاحِيَةِ، وفَراهَةِ المَضمُونِ، فَعُوْدٌ أَغْصَنَ عُنقُودُهُ(2)، شَدَّ مع الرِّيحِ قُلُوعَهُ كَأَشرِعَةِ العُشَّاقِ، مُطلِقًا في الأَثِيرِ أَنغامًا تَبَلَّرَت في رِحابِ القَراطِيسِ، فَأُكُلُهُ مُحَرَّماتٌ تَلازَبَت(3) لَم يَبلُغْ لَذاذاتِها إِلَّا نَدَرَى مُصطَفُون.

وإِنَّهُ لَلْوَعِيُّ(4) إِذا بَدَت تَباشِيرُ صُبْحِهِ ومَصادِيقُهُ(5)، وفُضَّ خَتْمُ سِرِّه.

يَنقُلُكَ في خَيالِهِ مِن مَحْبَرَةٍ إِلى قارُورَةِ عِطْرٍ حُدُودُها مَدامِعُ النَّدَى.

لا يَتَقَعَّرُ في قَوْلَةٍ، فَالنُّخَبُ يَتَناهَى إِلَيها زَمْزَمَةُ وهَدِيرُ أَمواجِها المُتلاطِمَةِ كَمِثْلِ لَغْطِ المَعاوِلِ في حَدائِقِ قَريَتِنا، وهي تُمْسِكُ ما في صَدْرِها خَشْيَةَ أَنْ تَخُوضَ جَماعَةُ الرُّفُوشِ والمَجارِفِ في خُبْرِها، فَتُشعِلُ نارَ الحَربِ في وَجهِها، على نَحْوِ ما يَمُرُّ سَهْمٌ في سَنَنِه.

أَخِي مُورِيس،

إِنَّنا لَنَتَنَصَّفُ(6) الأَيَّامَ أَنْ تُبقِيَ زُقاءَكَ في سَمْعِنا، والمَكانُ جَرْدٌ(7)، مِن أَجمَلِ السِّيمفُونِيَّاتِ، وأَعذَبِ الأَلحان!

***

(1): الجانِب

(2): كَبُرَ حَبُّهُ

(3): تَراكَمَت

(4): الحافِظ؛ الفَقِيه

(5): أَوائِلُهُ ودَلائِلُه

(6): نَسأَلُها أَنْ تُنْصِفَكَ

(7): لا نَباتَ فِيه

اترك رد