بقلم: د. عبدالله بوحبيب
أخيراً، وبعد أكثر من عشرة أشهر، سمح تغيير موقفي إيران والسعودية للقيادات اللبنانية بأن تجهد لتشكيل حكومة، توقف العمل عليه منذ انتهت استشارات رئيس الجمهورية بتكليف النائب تمام سلام.
يهدف الإيرانيون، بعد نجاح مفاوضاتهم مع الدول الست حول برنامجهم النووي وثبات النظام السوري عسكرياً، لتثبيت مكتسباتهم السياسية الإقليمية بمد يد التعاون إلى كل القوى العربية وتركيا كما تبيّن زيارات وزير خارجيتهم، محمد جواد ظريف إلى بلدان المنطقة. وتمشياً مع هذه السياسة الإيرانية الجديدة تناسى “حزب الله” نصيحته لـ14 آذار بالقبول بـ”معادلة 9ـ9ـ6 الآن، لأنكم إذا رفضتموها فستندمون لاحقاً”. وكذلك يُشاع بأن الحزب سيتنازل أيضاً عن ثلاثية “الشعب والجيش والمقاومة” في البيان الوزاري مقابل صيغة جديدة تعتمد تدوير الزوايا وغنى اللغة العربية.
في الوقت ذاته، وبعد فشل السياسة السعودية الهجومية في المنطقة وانتهاء الردة السلبية لهذا الفشل، استطاع أصدقاؤهم، الدوليون بالأخصّ، إقناعهم بأن مصلحتهم في لبنان ومصلحة حلفائهم تقتضي “تقليص الخسائر” بتشكيل حكومة يكون لحلفائهم أكثر من نصفها ويصبح “صديقهم” رئيس الحكومة الجديد، في حال فشل مجلس النواب في انتخاب رئيس للجمهورية، رئيساً للبلاد “بمعاونة” مجلس الوزراء مجتمعاً، كما أُشيع عن لسان مسؤول سعودي إلى وسيط. وتماشياً مع تلك السياسة، رفع تيار المستقبل الفيتو عن دخول “حزب الله” الحكومة، ووافق على التفاوض لتوزيع الحقائب بعد إصرار طويل على تطبيق المادة 64 من الدستور بأن يُجري الرئيس المكلف “الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة، ويوقع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها”.
وشعر المسيحيون في هذه الأثناء وبالأخص قياداتهم بأنهم خارج اللعبة السياسية في عملية تأليف الحكومة بإن “حََرَدهم” قد يكون غير مبرّر لأن الخلاف حول تشكيل الحكومة هو بين المسلمين بسبب ارتباطاتهم الإقليمية وأحادية التمثيل النيابي التي يفرزها قانون الانتخابات الحالي. فحيث إنه لا يمكن للرئيس المكلف اقتراح تشكيل حكومة من دون “المستقبل” أو الثنائي الشيعي، فإن الانقسام السياسي الطبيعي للمسيحيين يخرجهم جزئياً من لعبة تشكيل الحكومة.
لكن ما يقلق، في الحقيقة، بال المسيحيين هي المفاوضات الجارية لتوزيع الحقائب الوزارية التي تقوم بها القيادات السياسية الإسلامية لتحقيق “المداورة” في الحقائب الوزارية. ويزيد قلقهم عندما يصرّ الرئيس المكلف على تسمية الوزراء المسيحيين خاصة أنه معلوم للجميع أن كل الكتل الإسلامية النيابية تسمّي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وزراءها.
إن المهمة الرئيسية لهذه الحكومة يجب أن تُحصر بالأمن والاستقرار والتحضير لانتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل 25 أيار من هذا العام، وربما الاتفاق على قانون جديد للانتخابات. إن هذه المهام لا تتطلب تغييرات في الحقائب. إن طرح المداورة في تشكيل الحكومة يطرح تساؤلات لدى معظم القوى السياسية والدينية المسيحية، نظراً للشك في أن طبّاخي الحكومة يضمرون لها عمراً طويلاً في حال عدم قدرة مجلس النواب على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، خاصة أن انتخاب الرئيس لم يكن مرة نتيجة لوحدة الصف المسيحي، إنما كان الرئيس يُنتخب دائماً بترجيح من النواب المسلمين. كذلك، وللأسف، يشك العديد من المسيحيين في أن هناك اتفاقاً بين الأقطاب المسلمين بأن “يشلّحوا” المسيحيين وزارة الطاقة، بعد رفضهم لها عند تشكيل وزارات سابقة، نظراً للنجاح الدولي الكبير الذي حققه الوزير الحالي في الاستعداد لاستخراج الغاز من المياه الإقليمية اللبنانية، معتبراً أن الغاز في لبنان أصبح عنصراً استراتيجياً وعنواناً للسيادة والاستقلال الحقيقيين.
في كلتا الحالتين، لن يكون المسيحيون عقبة في تشكيل الحكومة بعد الاتفاق السني الشيعي المنشود. لكن من الوطنية والميثاقية أن يتساءلوا كيف: تكون المداورة؟ أهي بين المسلمين والمسيحيين أو أنها بين الطوائف الإسلامية؟ المداورة في المفهوم المسيحي شاملة لكل الحقائب الوزارية، وأن يختار رئيس الجمهورية والقادة المسيحيون وزراءهم في الحكومة أسوة بما تفعله القيادات الإسلامية. والمداورة تعني أيضاً أن حقائب المسيحيين ومن ضمنها وزارة الطاقة تُعطى لوزراء مسلمين وبالعكس.
لكن ما يشاع اليوم هو اقتسام الطوائف الإسلامية للوزارات الأساسية والاستراتيجية. ففيما يخص الوزارات السيادية مثلاً، يشاع اليوم بأن وزارة الداخلية ستُعطى لسني من حصة رئيس الوزراء، والمالية لشيعي من حصة رئيس مجلس النواب، والخارجية لمسيحي من تيار المستقبل والدفاع من حصة رئيس الجمهورية والطاقة لوزير من الطائفة الدرزية. هذه ليست مداورة، إنما هي محاولة، ولو غير مقصودة، لتثبيت النهج الذي اتبع في سنوات الوصاية السورية.
باختصار، إن ما يقلق المسيحيين هو ما يشاع اليوم عن محاولة، ربما غير مقصودة، للعودة إلى الاتفاق الرباعي الذي انطلق قبل انتخابات 2005 بمساعٍ وضغوط فرنسية وإيرانية ومن دون أي تفاهم على القضايا اللبنانية العالقة، والذي أفرز ابتداءً من أواخر العام 2006 عصياناً مدنياً انتهى بحوادث 7 أيار 2008، واجتماع الدوحة وحكومة للمعارضة فيها الثلث المعطل.
لن يقود تهميش المسيحيين لبنان إلى الاستقرار والازدهار بل إلى الفتنة والنزاع المسلح والخراب. إن المسيحيين هم حجر الزاوية في لبنان ووجودهم ودورهم الوازنان هما ضروريان لوحدة لبنان وتنوعه واستقراره وازدهاره، وبالأخص تميّزه الذي يسمح لكل لبناني بأن يكون مميزاً عن أخيه في المنطقة.
***********
السفير، الخميس 23 يناير 2014