د. عماد عبداللطيف
انتهيت من كتاب البلاغة العربية الجديدة لحظة اشتعال الهلع في جلباب العالم بسبب فيروس كورونا ربيع 2020. ولم أكد أخط آخر سطوره حتى أغلق العالم أبوابه في وجه النشاطات البشرية المعتادة مثل نشر الكتب وتداولها. كنتُ أمام خيارين: أن أنتظر حتى تنتهي الحرب الشرسة بين العالم والفيروس الفتاك، وتستعيد الحياة وداعتها الأولى، أو أن أُرضي تلك الرغبة الآسرة بأن يرى الكتابُ النورَ، ولو في عدد محدود من النسخ. كنتُ أتوق إلى أن أحتضن “كتابي” بين ذراعي، وكانت فكرة بقائه ملفًا ميتًا في الحاسوب، أشبه بترك جنين يموت في بطن أمه. في النهاية، اخترتُ أن أمنح الكتاب الحياة، ولو عبر ولادة قيصرية. فصدرت الطبعة الأولى في نسخة محدودة، منحت الكتاب فرصة الوجود، وإن لم تُتِح له إمكانية الانتشار.
كحال الحياة في جُلِّ أمورها، يخلق كل عمل مُنجَز تحديًا جديدًا. فبعد أسابيع قليلة من نشر الكتاب، كنتُ أفكر في كيفية تطويره وتحسينه. ربما كانت طبعته المحدودة وراء الشعور بأنني أمام عملٍ ما يزال مفتوحًا. قديمًا، أدركتُ الكتاب بأنه بيتٌ، نصممه، ونبنيه، وحين نضع آخر لمساتنا عليه نغادره؛ ليحلّ فيه القارئ، ونشرع في بناء بيت جديد. لكن الطبعة المحدودة من كتاب البلاغة العربية الجديدة أشعرتني أنني غير مستعد لمغادرة كتابي/بيتي بعد، على الرغم من أنني دعوت القراء للتجول فيه. كان هذا الشعور يدفعني إلى العمل فيه مرة أخرى، بالإضافة، والحذف، وإعادة الصياغة والتركيب. رويدًا … رويدًا، أدركتُ أن الكاتب يمكنه العيش في رحاب كتابه مع قارئه، وأن يتعامل معه على أنه بيت قابل دومًا للتحسين. واتخذت قرارًا بأن يظل الكتاب مفتوحًا للتعديل حينًا بعد حين.
لقد قمتُ في هذه الطبعة بإعادة هيكلة أقسام الكتاب، فاختصرتها إلى ثلاثة بدلًا من أربعة، بواسطة ضم القسم الرابع الذي احتوى على مقالة وحيدة في تدريس البلاغة إلى القسم الثاني الذي يتناول البلاغة العربية المعاصرة. وأضفتُ فصلين جديدين إلى القسم الخاص ببلاغة الجمهور، يتناول أولهما مفهوم النقد بوصفه استجابة بليغة، ويحدد العلاقة بين بلاغة الجمهور والتحليل الناقد للخطاب والعلوم النقدية. ويقدم الثاني مقترحًا نظريًا لدراسة بلاغة الجمهور في الأدب، ومثالاً تطبيقيًا على مجموعة قصصية للقاص المصري محمد المخزنجي، كما أضفتُ مناقشة مستفيضة للعلاقة بين البلاغة وخطابات الحياة اليومية في خاتمة الفصل الخاص بالبلاغة العربية المعاصرة
ها هو كتابي – عزيزي القارئ- بين يديك في طبعته الثانية، أرجو لك رحلة ممتعة بين دفتيه، أما أنا فأظنني سأظل مقيمًا فيه، أُغيِّر، وأعدِّل، وأضيف، وأمحو حتى يجمعني بك لقاء آخر جديد.
القاهرة، يونيو 2021