يوميات أكرم زعيتر: آمال الوحدة وآلام الانقسام (1949-1965) – الجزء الثاني

 

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب يوميات أكرم زعيتر: آمال الوحدة وآلام الانقسام (1949-1965)، في جزأين، ويغطّي الجزء الثاني منه ما دوّنه زعيتر من يوميات بين عامي 1962 و1965، مستذكرًا وقائع وأحداثًا سياسية ومنعطفات تاريخية شهدتها المنطقة العربية، قبل حرب عام 1967، حينما كان شاهدًا على أسوأ مراحل الانقسامات والصراعات بين الدول العربية؛ إذ كان سفيرًا للأردن في سورية بين عامي 1962 و1963 في فترة الانفصال عن الوحدة السورية – المصرية، والتي أعقبتها فترة الانقلابات العسكرية، والخلافات بين البعثيين والناصريين، ثم انتقل سفيرًا في طهران وكابُل بين عامي 1963 و1965، قبل أن يصبح وزيرًا للخارجية الأردنية في عام 1966.

في حين يغطي الجزء الأول من هذا الكتاب الفترة 1949-1961، وقد سبق للمركز العربي أن أصدر مذكرات أكرم زعيتر للفترة 1967-1970 في كتاب آخر بعنوان يوميات أكرم زعيتر: سنوات الأزمة 1967-1970.

يتألف الجزء الثاني من هذا الكتاب (544 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من أربعة فصول.

1962

في الفصل الأول، “عام 1962″، يتطرق زعيتر إلى الكثير من الحوادث التي حصلت في هذا العام؛ فيتحدث عن لقاء جرى مع الملك حسين، والمؤتمر الإسلامي في القدس، وصراحة بهجة التلهوني عن أخطاء مع سورية ولبنان، ووزارة وصفي التل، والعلاقات الأردنية – السورية، والانقلاب الآخر في سورية، والإبعاد عن بيروت، والمؤتمر الإسلامي الذي عُقد في السعودية، واللقاء مع فيصل بن عبد العزيز.

كما يتكلم عن خطة الحكومة الأردنية لإنقاذ فلسطين، فيروي أنه في 2 تموز/ يوليو 1962، سافر إلى عمّان، واجتمع بالدكتور حازم نسيبة، وزير الخارجية، وجرى نقاش حول القضية الفلسطينية، وموقف الحكومة الأردنية منها بحضور الشريف عبد الحميد شرف. فيقول زعيتر: “الوزير يتبنى المخطط الذي أعدّته حكومته لإنقاذ فلسطين، وهو يقضي بأن يكون الأردن مركز تجمع القوى للإنقاذ، وإنه هو المنطلق لمعركة التحرير، وذلك طبعًا يكون بموافقة الحكومات العربية، وبدفعها 20 مليون دينار إلى الأردن من أجل ذلك، وهو يقول إن موضوع إقامة كيان فلسطيني إنما يُحل بتسمية مملكة الأردن باسم مملكة الأردن وفلسطين، أي أن الأردن، بما فيه من كثرة فلسطينية، يمكن أن يكون هو ذاته الكيان الفلسطيني المنشود، وأن أية وزارة تتألف بعد ذلك يمكن أن تضم وزيرين يمثلان الفلسطينيين خارج المملكة، أي النازحين”.

ثم يضيف زعيتر: “الفكرة جميلة وسليمة من الناحية النظرية، لكنني رحت أوضح للوزير بعض ما يعترضها من صعاب، وأول الصعاب، فقدان الثقة لدى معظم الدول العربية بالأردن؛ فكيف تطلب ممن لا يطمئن إليك، ولا يثق بك، ويتهمك بمختلف التهم، أن يقدم إليك المال، وأن يجعلك أنت مركز تجمع القوى والمنطلق للخلاص؟ إنه يعتقد أنك تعتمد على الأجنبي في موازنتك، وأن هذا الأجنبي يهمّه وجود إسرائيل، والمحافظة على كيان إسرائيل، فكيف تقنع الدول العربية بأنك قادر على الإفلات من نفوذ ذلك الأجنبي والتحرر من رغباته، بل ومحاربة تلك الرغبات بالقوة؟ أما تسمية المملكة باسم [الأردن] وفلسطين، فقد كانت فكرة موفّقة لو اختير لها الزمن المناسب”. فكان أن طُلب من زعيتر الاطلاع على الخطة وإرساء تعديلاته عليها.

وفي الفصل نفسه، يتحدث زعيتر عن قيام حركة فلسطينية، والتخوّف من فكرة الكيان الفلسطيني، وعلى تعديلاته على مخطط تحرير فلسطين، انتهاءً بمحاولة اغتيال الملك حسين في المغرب. ثم يتذكر المعارك الاستخباراتية، ورسالة جون كنيدي إلى الملك حسين، وتقديم أوراق الاعتماد للرئيس السوري ناظم القدسي، ومقال نبيه العظمة عن الانفصال عن الوحدة المصرية – السورية، واللقاء مع رئيس الوزراء السوري خالد العظم، ورواية معروف الدواليبي لحركة 28 آذار/ مارس، ثم اللقاء مع المفتي في دمشق ومع شكري القوتلي بعد غياب، وورود أسلحة إلى عُمان، والاعتداء الصهيوني على سورية، ثم الاتصال بالسوفيات.

1963

وفي الفصل الثاني، “عام 1963″، يتذكر زعيتر المضبطة الطلابية لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وإغلاق الحدود السورية – اللبنانية، وإرهاصات انقلاب جديد في دمشق، والفتنة بين طلاب الجامعة، ووصول برقية مشفرة من وصفي التل، ثم الأزمة في الحكومة السورية، والانقلاب في العراق، والمقترح لإعلان الأحكام العرفية في الأردن، والقرار بالتدخل في سورية إذا وقع انقلاب ناصري، والخلافات بين القدسي والعظم، ثم توالي الانقلابات في سورية ولجوء العظم إلى السفارة التركية، ثم وقوع الخلاف الناصري – البعثي، ورأيه في حكومة التل، والمبادرات بين العراق والأردن، وعلاقة الأردن والسوفيات، واستقالة سمير الرفاعي وحلّ مجلس النواب، وتفاصل حديثه مع صلاح البيطار، واللقاء مع أمين الحافظ.

وفي مسألة التدخل في سورية إذا وقع انقلاب ناصري، يروي زعيتر تفاصيل لقائه مع وصفي التل حين اضطر إلى مغادرة الغرفة، والذهاب إلى المطار لاستقبال زوجته. “وهنا، تلفنت إلى وزير الخارجية أرجوه الحضور إلى دار الرئاسة للاشتراك معنا في الحديث، وقد جاء، وبينما كنت أحدثه عما عندي من ملحوظات عن الأوضاع في سورية، فاجأني بقوله: إن هناك قرارًا اتُخذ للزحف إلى سورية، حالما يقع أي انقلاب أو حادث لمصلحة عبد الناصر، يتم من دون اجتماع مجلس الوزراء، وتلقائيًا. وقد طلب إليَّ أن أبحث في الأمر، وأن أشارك في تدبر الموضوع، والحيلولة دون الإقدام على ما قد تنجم عنه مضاعفات خطيرة غير مأمونة العواقب. […] قبل أن ننتهي من الحديث، قال لي: والآن، ما ترى يجب أن يكون واجبنا إزاء الاحتمالات في سورية؟”. وأبدى ميلًا إلى التدخل العسكري في حالة حدوث انقلاب ناصري. وقد رأيتني أقول له: هل أنتم مطمئنون إلى وضع الجيش الأردني؟ قال: كل الاطمئنان. إننا أرسلنا لواء مدرعات إلى حدود العراق، ولكننا لم نكتم الأمر عن العراقيين، بل أخبرناهم بهذا. إن الجنود في الجيش على ولاء عظيم لجلالة الملك، وهذا لا يعني طعنًا في ولاء الضباط”.

كما يتذكر زعيتر الصراع بين زياد الحريري والبعثيين، وموقف الإخوان المسلمين، ومرض خالد العظم في السفارة التركية، واستقالة لؤي الأتاسي، وتعيينه سفيرًا في طهران، والتصويت على مصير خالد العظم، والحوار مع أحمد الشقيري، والحجز على أموال شكري القوتلي، والوساطة بين الجزائر والمغرب، واللقاء مع علي أبو نوار، وأكبر هاشمي رفسنجاني وكتاب القضية الفلسطينية.

1964

وفي الفصل الثالث، “عام 1964″، يستذكر زعيتر مشروع تحويل نهر الأردن، والبحث حول جمال الدين الأفغاني، والنقاش حول العلاقات العربية – الإيرانية مع الوفد العراقي، ومسألة البترول الإيراني إلى إسرائيل، والمؤتمر الفلسطيني في القدس، وزيارة الملك حسين لنابلس، واللقاء مع رئيس الوزراء الأفغاني.

وفي مسألة بيع إيران بترولها إلى إسرائيل، يتذكر زعيتر من يوم 14 نيسان/ أبريل 1964: “بناءً على اتفاق سابق بين السفراء العرب ووزير الخارجية الإيرانية، السيد عباس آرام، كان السفراء في الساعة العاشرة في وزارة الخارجية. قلت للوزير: أرجو أن تكون زيارتكم للكويت والسعودية موفّقة، وأن تكونوا قد لمستم حقيقة المشاعر العربية نحو إيران. فأجاب: لقد كانت موفقة جدًا. لقينا من الحفاوة الكثير، ولمسنا من المشاعر النبيلة ما جعلنا مغتبطين. وبالغ الأمير فيصل في الحفاوة بنا، وكذلك الشأن في الكويت وما لقيناه من أميرها. وقال الوزير: أرجو أن أعلم سبب هذه الزيارة التي أنا مغتبط بها. فلخّص له السيد عدرة الموضوع، وهو يدور حول حرصنا على التأكد بأن إيران لا تبيع بترولها إسرائيل، وأعرب له عن قلقنا مما بلغنا بأن بترولًا إيرانيًا يُباع لإسرائيل. ونوّه بتصريح لجلالة الشاه، أكد فيه أن إيران لا تبيع قطرة مما يخصّها من بترول لإسرائيل. وهنا، سأل الوزير: وهل هذا موضوع بُحث في جامعة الدول العربية؟ فأجيب بالإيجاب. فقال: أما ما يخصّنا من بترول، حصة لإيران نفسها، فإننا ملزمون بأن نأخذ بما خطّه الشاه ولا نحيد عنه. أما ما يُباع من نفطنا، فهو إنما يُباع للكونسوريتوم، وليس في شروط العقد بيننا وبين الكونسوريتوم ما يجيز لنا الإشراف على ما تبيعه وما توزّعه، وإنما تنتهي علاقتنا بذلك البترول فور تسلّمه من قبل الكونسوريتوم مباعًا لها. ولسنا نعلم إذا كانت هي تبيع مما تشتريه شيئًا لإسرائيل”.

1965

وفي الفصل الرابع، “عام 1965″، يتناول زعيتر في مذكراته مسألة يهود إيران، واغتيال حسن علي منصور، واللقاء مع الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، ومحاولة اغتيال الشاه محمد رضا بهلوي، وأسئلته للملك، واستقبال الملك فيصل في إيران.

وفي مسألة يهود إيران، يتذكر زعيتر من يوم 6 كانون الثاني/ يناير 1965: “في جيبي الآن رسالة تلقّيتها من وزارة الخارجية بعمّان، فيها نصّ حديث أدلى به أحد أعضاء الكنيست اليهودي إلى صحيفة، وفيه يتحدّث عن يهود إيران ونشاطهم، وحركة الطليعة بينهم، وكونهم سيوفدون ستة من اليهود الإيرانيين لحضور المؤتمر الصهيوني، وأنا بصفتي سفيرًا للأردن هنا، يفترض فيّ أن أبحث في صحة هذه الأنباء. إنني أريد أن أسألك، كيف تسمحون ليهود إيرانيين أن يحضروا مؤتمرًا صهيونيًا؟ كيف تقبلون أن يكون يهودي إيراني مزدوج الولاء؟ وأما أن يكون صهيونيًا إسرائيليًا، فكيف تقبلون وجوده بينكم، وحسبانه في رعاياكم؟ هذا مثال. اسمحوا لي أن أعلن على الملأ أنكم قررتم منع أي يهودي إيراني من الاشتراك في مؤتمر صهيوني. وهنا أجاب: إنني أستغرب ما أسمع. إنني لا علم لي بكل ما ورد في حديث مردخاي هذا. إنني أعلم أن إسرائيل قد تجاوزت كل حدّ في استغلال علاقاتها بإيران. وأنا قانع كل القناعة بوضع حدٍّ للنشاط الإسرائيلي في إيران، إنْ لم أقل بالقضاء عليه نهائيًا. إنني أرجوك أن تزودني بقصاصة الجريدة العبرانية التي نشرت الحديث المذكور، مع ترجمته إلى العربية، لأتّخذ الإجراءات التي ترضيك. إنني أوافقك على كل ما قلت بضرورة تعديل موقفنا من إسرائيل، وأرجو أن نستعين بآرائك على هذه الأساس، ولكني أحب أن أقول إن تعديل موقفنا، ومقاومتنا لإسرائيل، واستئصال نفوذها، ومحاربة نشاطها، لا يمكن أن يتم في جو من تهديدات عربية. إننا لا نقبل أن تُفرض علينا سياسةٌ ما فرضًا. فقلت له: لا فرض هناك. إن لكم أصدقاء من العرب يناشدونكم في سبيل مصلحتكم ومصلحة العرب معًا أن يكون جوابكم على الدعايات المُثارة ضدكم الموقف الحازم من إسرائيل، والحيلولة دون نشاطها. فقال: أعدك بأن أعمل على ذلك، وأوكد لك أن جلالة الشاه [محمد رضا بهلوي] قانع بهذا، وسترى في ما بعد ما يسرّك. فقلت له: يسرّني أن أسمع ذلك. هناك أكاذيب تُنشر حول إيران، وحول تعاونها مع إسرائيل، ومن واجبنا نحن تكذيبها، ولكننا لا نستطيع تكذيبها إذا لم نتحقق من كذبها منكم. كما أن هناك أخطاء تُرتكب في هذا الموضوع من جانبكم، فاسمحوا لنا أن نبدي رأينا فيها لكم بصراحة. فقال: أنا موافق. فقلت: إذن، أرجو أن تعيّن شخصًا موثوقًا ذا كفاية يمثّلكم، نستطيع أن نتصل به كلما اقتضى الأمر، نسأله أسئلة، ونبدي له آراءنا، ونسدي نصائحنا. فقال: وهو كذلك. إنني سوف أختار الشخص الذي تتوافر فيه هذه الصفات”.

اترك رد