(في حوار مع خالد حماد، منشور في جريدة “الدستور”، عن كتاب د. شربل داغر : “صَنْعة العربية : من التنزيل إلى التأليف”، الصادر مؤخرا عن الاهلية للنشر والتوزيع، في عَمان).
قال الشاعر والناقد اللبناني شربل داغر: إنني لا أفضل استعمال لفظ التراث، لأنه يوحي لعرب اليوم، من المثقفين خصوصا، «كما لو أننا نعيش التاريخ عينه، من جيل إلى جيل، من الجد إلى الحفيد، ما يبيح ويتيح الوراثة».
وأضاف في تصريحاته لـ«الدستور» عقب صدور كتابه «صَنْعة العربية: من التنزيل إلى التأليف»: «ذلك أنني أعتقد أن هذا التاريخ المعني يحتاج إلى مزيد من الدرس، وإلى إظهار أن ما نعيشه، منذ بدايات القرن التاسع عشر، مختلف عمّا كان في القرون السالفة. هذا ما أطلقتُ عليه تسمية : دورة الاستئناف المستجدة».
ولفت إلى أن هذا يناسب أيضا الكلام عن الماضي المقصود بعبارة: “التراث”، مستطردا: “العودة إلى درس الماضي عودة لازمة، تقوم بها النخب المثقفة، ولأغراض دراسية وبحثية في المقام الأول. هذا ما لا تقوم به النخب في هذه البلاد، وفق هذه الوجهة بالضرورة”.
وأضاف: “الحديث عن العودة إلى «التراث» يعني، عند كثيرين، العودة إلى السلف الصالح، وهو ما لا يناسب قيام الخطاب الجاد، من جهة، ولا تكفله المناسب بمساءلة الحاضر، من جهة ثانية”.
ويتابع داغر: “قراءة الماضي ضرورية، بعد توافر مدونة مزيدة لما كان عليه الاجتماع الإسلامي السابق، وبعد تجدد المناهج الفلسفية والتاريخية والاجتماعية في تفقد الماضي. لهذا فإن العودة إلى درس الماضي تبدو، في خطاب البعض، تسويغا لسياسات حالية، وطمسا للماضي، وإسقاطا لتاريخيته”.
ويستكمل داغر: “أسعى -في ما يخص كتبي وبحوثي- إلى التشدد المنهحي في النظر إلى ما سبق، فلا يقع البحث في إسقاطات إيديولوجية، أيا كانت مذاهبها. بل أعتقد أن في تحرر نظرنا ما يحرر قوانا، ويجعلنا متمكنين من صنع حاضرنا، فلا نبقى أشبه بالمقصرين إزاء عظمة “التراث”.
كان ذلك موقف الشاعر والناقد اللبناني شربل داغر حول كتابه “صَنْعة العربية : من التنزيل إلى التأليف”، والذي أشار فيه إلى أنه “لم ينقطع الدارسون عن درس القرآن، في الأزمنة القديمة أو الحديثة، من العرب والمسلمين كما من الأجانب. بل يبدو القرآن، في جوانب من مدونته، صالحًا للدرس أكثر من غيره من الكتب الدينية المكرَّسة. وما قد يشكو منه بعض المسلمين من “إضاءة مزيدة” على كيان القرآن، لا يعود بالضرورة إلى تقليد “تشكيكي” به، أوروبي قديم، واستشراقي متأخر خصوصًا، وإنما قد يعود –في بعضه على الأقل– إلى توافر مدونة واسعة عن القرآن، وقابلة بالتالي للتفقد والفحص والدرس.
ليس غرض هذا الكتاب البحثَ في تاريخ القرآن، وإنما في مسألة قلّما أولاها الدارسون القدامى، ولا سيما المحدثون، غايتهم: أهلية المدوِّنين في تدوين القرآن، أهلية العربية، أو مدى توافر الأحكام والضوابط في أبنيتها”..