تناقض الشخصيات في رواية “الحب في زمن العولمة” لـ صبحي فحماوي

عفيف قاووق

 

الحديث عن سائد الشواوي وكيفية إدارته وتعاملاته لا يعفينا من التطرق للحديث عن بقية شخوص الرواية، أو بعضها على الأقل ، ومن هؤلاء الشخوص؛

الحاج أبو سائد الشواوي،

في أحد المشاهد التي تدل على تحكم الغريزة والشهوة في الرجل العربي، مهما بلغ من العمر، يورد السارد ما يقوم به الحاج ابو سائد الشواوي وهو العجوز السبعيني الذي لا يرغب بالاستسلام للتقاعد الجنسي، بعد أن كان فحلاً تهابه نساء السوق، فهو ما يزال لا يفكر بغير الجنس، ويشتري الحب بالنقود، وشعاره؛ “المرأة التي تعرف ثمنها، اشتريها”. وكانت قد ربطَته علاقة مصلحة مع مدير الشرطة أبو سعفان الذي كلما كان يتضايق ماديا، يعطيه أبو سائد بعض النقود، فيفك بها ضائقته المالية.. ونتيجة لهذا السخاء والكرم، أفرد مدير الشرطة للحاج أبو سائد مكتبا خاصا في عمارة مركز الشرطة، بوصفه خبيراً اجتماعيا، ليحُل مشاكل النساء اللواتي يقعنّ في مشاكل اجتماعية مع الرجال، سواء كانت طلاق أو تحرش، أو اعتداء جنسي أو حالة اغتصاب، فكان يقوم بإكرام المشتكية بفنجان قهوة بعد أن يضع فيه مادة مهلوسة تثير شبقها، ثم يبادرها باسئلة محرجة لحد البذاءة؛ مثل:(هل اعتدى عليك الملعون لوحده أم كان معه أحد؟ هل مد يده على كذا وكذا ؟ وهل كانت شفاهك ساخنة بين شفتيه ؟ هل كنت عذراء عندما نام معك ذلك الشاب الوحش؟)” وغيرها من الأسئلة المشابهة… كان الحاج أبو سائد الشواوي يتلذذ بتلك الاسئلة، ويتخيل أنه يعيش تلك الاحداث، ويحاول أن يمارس الجنس بحديثه، وبعينيه، لقد كان يعيش جنسيا حسب نظرية (بس بتطلع بعيوني..)

محمود التكفاوي:

رغم كل الإمكانات ووسائل الترغيب والترهيب التي صاحبت تسلل العولمة إلى مدينة البطين، إلا أن هذا لا يعني ان الجميع قد استسلم ورفع الراية البيضاء، بل إن هناك فئة لا بأس بها تتمتع بالحس الوطني وبالضمير الحي، تكسبها مناعة تجعلها تقف وتواجه ما يُحاك من مؤامرات ودسائس على طريقة إدخال السُم بالعسل.. لذلك عندما استلم الرجل النزيه “محمود التكفاوي” رئاسة البلدية قال: “نريد أن نفتح كل الشبابيك للشمس، ليدخل هواء جديد للبلدية”. وهكذا فعل، فاكتشف أن سائد الشواوي كان يلعب بالبلدية يمينا ويسارا، وكان يقبض الرشى من أصحاب الأراضي، وصار معه وكالات أراضي لا حصر لها، يشتري من هذا ويبيع لذاك، بلا رقيب أو حسيب.(ص64).وبعد نقاش مستفيض مع أعضاء المجلس، تقرر عزله من منصبه بتهمة إساءة التصرف والإخلال الوظيفي، ولكن الوساطات حولت قرار العزل إلى مجرد كتاب بقبول إنهاء خدماته بناء لطلبه، وقد علق أحد الأعضاء (هيك خلعنا السِن وخلعنا وجعه).ولكن للأسف أن السِن الذي اعتقدوا أنهم خلعوه، تحول إلى ناب افترس كل شيء.

وبعد انتقال المجلس البلدي لمناقشة شروط البنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية المفروضة على المدينة تم تغيير اسمها لتصبح تحت اسم مدينة العولمة ، ومن بين هذه الشروط أن البنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، قد فرضا شروطا لمعالجة المديونية، وإلغاء القيود الجمركية التي تحد من التجارة بين الدول، وإلغاء كل ما يعيق انتقال رؤوس الأموال، وتحرير الاستيراد والتصدير، وغير ذلك من الشروط التي رآها محمود التكفاوي ظالمة ومجحفة بحق مدينته، مما دفعه لرفض هذه المقترحات وعليه أعلن رفضه لكل هذا المخطط التي يجد فيه مساً بالسيادة الوطنية ونوعا من الهيمنة الخارجية دفعته لعدم السير بها فأقدم على الاستقالة من منصبه”

 

المحامي زاهد أرملة وحواره مع المستشار رالف وود:

نموذج آخر من الشخوص الإيجابية والنزيهة التي قدمتها لنا الرواية، تجسد في شخص المحامي زاهد أرملة، هذه النزاهة والروح الوطنية تجلَت خلال الاجتماع المنعقد للاستماع للخطة الاقتصادية التي قدمها المستشار رالف وود، الذي صرح بالآتي:

“نعمل جاهدين لبناء (ديكتاتورية رأس المال العالمي) لتحقيق الليبرالية الجديدة، وانتصارها الحتمي على الاقتصاد والسلطة، لتحرير الأسواق، وإيقاف كافة المساعدات الاجتماعية للمواطنين” ، فيجيبه المحامي زاهد أرملة: “نحن نعلم يا سيد رالف أن الدول الصناعية تدعم فائض الإنتاج الزراعي وغير الزراعي، بهدف تصدير بضائعهم الرخيصة والمنافسة لإغراق الأسواق العالمية بها وتحطيم الإنتاج المحلي في الدول الأخرى، بينما هي تطالب الدول الفقيرة بتحرير التجارة، ووقف الدعم الحكومي، خاصة عن الإنتاج الزراعي والمواد الغذائية، فلماذا هذه المعايير المزدوجة؟ ” ليجيبه رالف وود قائلاً: ” إن (التجارة تجارة ، بزنس إز بزنس(، فإذا كانت غرامة النفايات النووية المُرسلة إلى الصحاري العربية تُكلِف مليون دولار مثلا، بينما توريدها إلى تلك الصحاري يُربح شركتنا الناقلة للنفايات النووية عشرة ملايين دولار، إذن ندفع الغرامة ونشحن البضاعة.” وهنا يتدخل المحامي زاهد أرملة مجددا بالقول:

” لو سمحت يا سيد رالف أنا أرفض هذا المنهج، وأنا لو ربحت مليار دولار، فلن أسمح لدولة أجنبية برمي ٌ نفاياتها النووية في أرض وطني.(ص128). ونحن مستعدون للموت دفاعاً ضد دخول العناصر النووية المشعة واليورانيوم المنضب، أفضل من أن نموت خانعين، بينما النفايات تسرطن أكباد أولادنا ” فكان جزاءه الطرد من مكتب محاماة الشواوي الذي قال له متهكما على اسم عائلته:

” ما هذه الخُطبة العصماء يا أرملة، هذا لو كنت غير أرملة فماذا ستفعل؟”

هذا الحوار بين زاهد أرملة والمستشار الغربي رالف وود، إنما يُمثل برأيي صورة مُصغرة عن الحوارات غير المتكافئة التي نشهدها غالباّ بين الشرق والغرب، كونها تتم تحت سطوة رأس المال المتوحِش عبر تسليط سيف العقوبات على كل معترض، فكان عقاب المحامي المعترض زاهد أرملة الطرد من مكتب المحاماة، إذ قال له سائد الشواوي:

“على أي حال أسلوبك هذا لا يعجبني وأنت لا تمثلني في مكتب المحاماة هذا.”

منذر شبلح:

وعلى خُطى محمود التكفاوي والمحامي زاهد أرملة، لم يستطع المحاسب منذر شبلح أن يقف مكتوف اليدين أيضا عندما شاهد جريمة تقطيع اللحوم المجمدة بغية إعادة توضيبها على إنها لحوم بلدية طازجة، فصرخ قائلاً:

“كيف تقطٌعون اللحوم المجمدة في هذا الجو الساخن، وقد ارتفعت حرارة الذبائح إلى ما فوق الاربعين درجة مئوية، لقد درسنا في الجامعة أن اللحوم المجمدة عندما تسخن وتُقطٌع هكذا ثم تعود للتجميد مرة أخرى، فإنها تفسد بسبب تجُّمع مواد سامة داخل أنسجتها، فتصير اللحوم غير صالحة للاستهلاك البشري.” وعندما وصل الخبر الى مدير الشركة قال لمساعده:

“دبر الموضوع بطريقتك، ولا تعمل مشاكل، فالمشكلة قد تكبر.. استخدم دبلوماسيتك .. لاطف هذا المنذر الزفت، عِدهُ بترقية، وإذا رفض قل له لقد أعذر من أنذر (ص137)” .

المهندس الزراعي جواد

نموذج آخرمن شخوص الرواية ينضم إلى النماذج التي يُعوِل عليها في ظل هذا الوضع القاتم، هو المهندس الزراعي جواد الذي رفض التلاعب بالغذاء والعلف المُقدم للدواجن، والتي وردت تفاصيلها في الرواية تحت باب العشاء الأخير، هذا الرفض من قبله أدى بمدير الشركة إبراهيم الرفاوي الى القول له:

” نفّْذ ولا تناقش، هذا سوق يا مغفل، هل تفهم ما معنى كلمة سوق ويكمل بتهكم (وأنت يا مهندسنا سوق على مهلك سوق..خلي الدنيا نروق).ارتخى المهندس جواد، وقال للرفاوي:

“أعدك بأنني لن أناقش، ولكنني لن أنفذ أيضا، سأقدم استقالتي من العمل لأن الارباح المزعومة والتي سأقبضها ستكون حراما في حرام. وأنا لا يروق لي أكل المال الحرام.( ص140)”

أحد أعضاء البلدية:

لا بد من التنويه أيضا لما حذر منه أحد أعضاء البلدية خلال اجتماع المجلس لمناقشة خطة البنك الدولي، بالقول:

” هذه التوجيهات لو نفّْذت، فإنها ستزيد البطالة كالفقر في المجتمع، وسوف تؤدي إلى توترات بين الاغنياء كالتجار، ومن ثم إلى تصعيد العنف كالإرهاب، الذي خلقوه لنا ليكون من معالم القرن الواحد والعشرين.. إن أصحاب النظريات الجديدة هم الذين يخلقون مبررات الإرهاب، ثم يستعُّدون لمواجهته بإعلان الحرب ضده.(ص78).”

حسان جعفر نائب رئيس البلدية والذي أصبح فيما بعد رئيسا لها.

لأن معادن الرجال تكتشف وتظهر على حقيقتها في الملمات والمواقف التي تتطلب جرأة وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، إلا ان رئيس البلدية الخلف حسان جعفر والذي حل محل الكفتاوي ينتمي إلى النقيض تماما، إذ تحكمه الانتهازية والوصولية والمهادنة في سبيل تحقيق مآربه، ولديه قدرة على الإقناع، جعلته ينتزع موافقة أعضاء المجلس على المضي قُدما في تنفيذ ما يطلبه البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية من شروط وتوجيهات ، فقام يخطب بأعضاء المجلس قائلأ:

“لماذا تستمر الدولة في دفع المعونات للعاطلين عن العمل ؟ ولماذا لا يدّْبر كل واحد نفسه في حالة الشيخوخة والمرض، ولماذا لا نترك فُرص العمل للمبادرات الشخصية ؟” (ص78).

هذا هو حسان جعفر اللاهث وراء المنصب، مجرداً من أية أحاسيس أو مشاعر إنسانية، حتى أنه يفتقد للحس الوطني والقومي عندما وافق على تغيير اسم مدينته من البطين لتصبح مدينة العولمة كما تغير اسم فلسطين حسب رأيه قائلاً ” ليس هذا غريبا، فكثير من الدول تغّْير اسمها، فهذه جزيرة فرموزة صار اسمها تايوان، وهذه لينينغراد أصبحت سان بطرسبرغ، وهذه فلسطين صار الغرب يسميها إسرائيل، ويكمل في إنهزاميته ليقول نحن لا نمتلك إلا أن نمتثل للاجتهادات الدولية، فنحن دولة صغيرة محايدة، ليس لها وزن في الصراعات الدولية،(ص78). ولقد قرروا أيضا أن نعطل يومين في الاسبوع، وأن يكون لدينا عيدان سعيدان آخران، هما عيد الكرسمس، وعيد أرس السنة، تماما مثل عيد الفطر وعيد الاضحى. ولأن الشيء بالشيء يذكر لا بد من الإشارة إلى القرار التي إتخذته مؤخراً إحدى الدول الخليجية واعتمادها يوميّ السبت والأحد كيومي عطلة أسبوعية، وإلغاء عطلة يوم الجمعة.. ولأن سعد الدين الجني هو الذي يملي أحداث الرواية فلا يستعصي عليه وهو الجِن ان يستشرف ويتنبأ بهذا القرار المستحدث والمستهجن في آن.

 

 

اترك رد