مُرُورُكِ وَجْدٌ!      

مُرُورُكِ وَجْدٌ، حَيثُ سِرْتِ الهَوَى يَفْرِي(1)،  جَوانِحِيَ الحَرَّى، فَتَغدُو على جَمْرِ

وَأَنَّى تَمُرِّي يَنْدَرِ، خَلفَكِ، الشَّذا،              كَفَوْحِ أَقاحٍ غَلَّ في نَسَمِ الفَجرِ

حَنانَكِ… ظَلِّي في رُبُوعِي، فَإِنَّنِي       أَسِيرُ جَواكِ الغَضِّ، فَابقَيْ على أَسرِي

يَراعِي، وطِرْسِي(2)، والمِدادُ نَواظِرٌ  ــــــــــــ   إِلَيكِ، فَما إِلَّاكِ مِنْ مُلْهِمٍ يُغْرِي

وَإِمَّا نَأَى عَنِّي جَمالُكِ، أَصبَحَت            رِقاعِي كَنَبْتٍ جَفَّ في تُرْبَةٍ قَفْرِ

وأَضحَت حُرُوفِي كَالخَواءِ فَما بِها           حَرارَةُ وِجدانٍ، ولا نُسُغٌ(3) يَجرِي

وصِرْتُ غَرِيبًا عَن قَوافِيَّ لا أَرَى       بِها ذلكَ السَّلسالَ(4) في أَضلُعِي يَسرِي

وباتَ عَصِيًّا كُلُّ وَحْيٍ أَرُومُهُ،              وما عادَ طَوْعًا، كُلَّما جِئْتُهُ، شِعْرِي

فَقَد أَملَأُ الأَوراقَ هَذْرًا بِأَسطُرٍ               جَفاها السَّنا الضَّافِي بِإِبداعِيَ البِكْرِ

فَلا تُمسِكِي عَنِّي العَطاءَ بِرُؤْيَةٍ              تَحَرُّ نَجِيعِي بِالبَهاءِ على سِحْرِ

أَنا أَنتَشِي بِالطَّيْفِ يَأتِي مُلَوِّحًا               بِسِيماءِ نَجْلاءِ اللِّحاظِ، بِها تَبْرِي

سَلِينِي، أَيا حَسناءُ، ما شِئْتِ إِنَّنِي،             إِذا أَومَأَت مِنكِ البَنانُ، لَفِي الإِثْرِ

فَدَربُكِ، ما طالَت، حُداءٌ لِمُهجَتِي،              ومَسراكِ أَحلَى ما يَمُرُّ بِهِ عُمْرِي

حَياتِيَ أَنْ أَشدُو الرُّواءَ على ضَنًى،       ويَبقَى الهَوَى، عَفَّ الرِّداءِ، رَجا أَمْرِي

فَلَيسَ وِصالُ الحِسِّ تَوْقِي، وإِنَّما             هَواكِ يُخَلِّي الرُّوحَ تَرجُو على كِبْرِ

فَوَفْرٌ مِنَ اللَّذَّاتِ يُشبِعُ هَيكَلِي،             كَثِيرٌ مِنَ الجُوعِ المُعَشِّشِ في صَدرِي

وإِنْ كانَ لِلأَوصالِ، تَصرُخُ، كُفْيَةً،           لَيُبقِي قَرارَ القَلبِ في قاحِطِ العُسْرِ

أَنا مِنْ رَحِيقِ الحُسْنِ أُشبِعُ رِيشَتِي،           ولَيسَ لِكَأسِي غَيرُ رَيَّاهُ مِن خَمْرِ!

 

***

 

(1): يَفْرِي: يَشُقّ / يَقطَع / يَجتاز

(2): الطِّرْس: الصَّحِيفَة

(3):نُسْغ: سائِلٌ يَكُونُ في الخَلِيَّةِ، كما يَجرِي في أَنساجِ النَّباتِ لِتَغذِيَتِه

(4): السَّلسالُ: الخَمْرُ اللَّيِّنَةُ

اترك رد