لفتني خبر قرأته للتوّ، وفيه أنّ لجنة التربية والتعليم النيابيّة العراقيّة أعلنت أن 90% من الشهادات الممنوحة لطلبة الدراسات العليا من خارج العراق “مزوّرة”.
وقال عضو اللجنة رياض المسعودي في تصريح لصحيفة “الصباح” إنّ الشهادات التي مُنحت للطلبة بعد عام 2003 “غير حقيقيّة وحصلوا عليها من خلال الأموال، ومن جامعات غير معترف بها”.
وسأتناول هذا الموضوع في الإطار التحليل الاجتماعيّ، لكي لا يقال إنّني أصوّب على حملة الشهادات المزوّرة، وقد تأكّدت دائماً أنّ وظيفة الناقد انتهت، ودُفنت، لأن مَن يخضعون للنقد لا يحبّون الحقيقة.
ويتّصل الادّعاء والزعم بحمل الشهادة بجملة أسباب، أهمّها اثنان:
1- الحصول على وظيفة في جامعة، أو في إدارة رسميّة، تتطلّب شهادة عليا.
2- التباهي، والتشاوف بلقب أستاذ أو دكتور. وهذا السبب هو الأخطر في نظري، لأنّه يدلّ على حالة نفسيّة خطيرة، تصيب الفرد والمجتمع معاً.
ولكي أكون واضحاً، فإنّ أمر ادّعاء الشهادة العليا لا ينحصر في بلد معيّن، فالحالة المرضيّة مستشرية في عالمنا العربيّ، من ضمن حالات أخرى، تعيق عمليّة الطوير، وتعرقل ما سعت وتسعى إليه أحزاب وحدويّة وضعت العربة قبل الحصان، كأنّها في سباق للوصول إلى الفضاء، متجاوزة ما في مجتمعاتنا من ظواهر خطيرة ينبغي علاجها، قبل المطالبة بما دون النجوم.
بين عامي 1988 و 2000 كان عدد حملة الدكتوراه في سيدني لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وكنت أعرف آنذاك ثلاثة فقط من حملة الدكتوراه الصحيحة الذين قدّموا أطروحات جامعية، وحصلوا على درجة “دكتور في الفلسفة” Doctor of Philosophy باستحقاق. وبين عامي 2000 و2021، أصبح عدد حملة الدكتوراه بالعشرات. وبات لقب دكتور يشبه لقب “السيّد” في نشرة الأخبار. وللذين لا يعرفون عن الجهد الذي يبذله الدارس للحصول على ماجستير، ثم دكتوراه، فإنّ ذلك يستهلك نصف حياته، سهراً، وتعباً وتمحيصاً، وقراءة، وكتابة، ومراجعة ونقداً لذاته. وعندما لم تكن تكنولوجيا المعلومات متوافرة، كان الدارس المجتهد يقطع كيلومترات في القطار من أجل الحصول على جُملة واحدة من كتاب لا يملكه، لكي يدعم رأياً أو فكرة. فكم هو سهل وجميل ومريح أن يحصل البعض على شهادة جامعيّة وهو ينام على ريش نعام! والأكثر رعباً هو أنّ البعض لا يتقنون لا العربيّة ولا الانكليزيّة، فبأيّ لغة كتبوا؟
أكرّر: هذه المقالة ليست للتجريح، بل هي للتقويم، ومراجعة الذات العربيّة. فليس معقولاً أن يتعرّض الناقد للابتزاز، بمعنى القبول بما هو موجود أو اتهامه بالوقاحة كلّما أشار إلى عيب، وحاول الإصلاح الاجتماعيّ، وكلّما نادى بأبسط الأمور المطلوبة من أجل التقدّم وإحقاق المعرفة. كما ليس أمراً طبيعيّاً أن يكون ركوب الخطأ حقّاً مكتسباً، وعلامة من علامات التواضع والانسحاق، أمّا الإشارة إلى الخطأ فباطل ورياء، وعلامة للغرور والتكبّر.
وآخر الكلام: ليت كلّ النفوس تهتدي إلى الحقيقة… والتواضع!
***
(*) مشروع الأديب د. جميل الدويهي “أفكار اغترابيّة” للأدب الراقي – سيدني 2021