شُرُوقٌ في غُرُوب!

كُنَّا! فَكَم خَفَقَتْ قُلُوبُ، وتَطِيرُ، إِنْ سِرْنَا، الدُّرُوبُ

وَلَكَم تَهافَتَ، مِنْ صَبابَتِهِ إِلى اللُّقْيا، حَبِيبُ

مَرَّ الرَّبِيعُ على الرُّبَى، فَإذا الرُّبَى ثَمَرٌ، وطِيبُ

وشَدَت بَلابِلُها، فلا هَمٌّ يَمُضُّ، ولا نَحِيبُ

فَالدَّوْحُ أَورَقَ، والشَّذا أَوْفَى، وجُنَّ العَندَلِيبُ

والأُفْقُ جُلّْنارٌ، وَهَبَّ عَبِيرُهُ المَرجُ العَشِيبُ

في مِهرَجانِ الضَّوْعِ، والأَلوانِ، تَنشُرُهُ السُّهُوبُ

فَلَقَد تَخالُ اخضَوضَرَ الجُلمُودُ، وازهَرَّ الكَثِيبُ

هي فَوْرَةُ العُمْرِ النَّضِيرِ، يَطِيبُ، فَالدُّنيا تَطِيبُ

ومَدَى الحَنايَا مَيْعُهُ، هذا الشَّبابُ المُستَجِيبُ

يُومِي الجَمالُ، فَلَيسَ مِنْ ناهٍ يَصُدُّ، ولا رَقِيبُ

فَالقَلبُ في حُمَّى الجَوَى، وبِكُلِّ جارِحَةٍ دَبِيبُ

فِتَنُ الحَياةِ، بِرَيْقِ أَيَّامِ الصِّبا، حُسْنٌ لَعُوبُ

وهَوًى يَمُورُ لِكُلِّ بارِقَةٍ، وأَوتارٌ، وكُوْبُ!

***

كُنَّا! فَأَصبَحنا… وفي كَدَرِ المَلامِحِ ما يُرِيبُ

فَعَلَى الإِهابِ الغَضِّ مَرَّ الدَّهرُ، فانتَثَرَت نُدُوبُ

والوَردُ، بَعدَ فُتُوَّةِ الأَيَّامِ، أَوهاهُ الشُّحُوبُ

والصَّدرُ، بَعدَ وَجِيبِهِ، الصَّخَّابِ، هانَ به الوَجِيبُ

لكِنْ يُدَغدِغُنا الحَنِينُ، ويُورِقُ العُمرُ الجَدِيبُ

إِنْ زَلزَلَ الأَضلاعَ وَجْدٌ طارِئٌ، وهَوًى يَثُوبُ

فَنَتُوبُ عن نَشْدِ الهَواءِ، وعن هَوانا لا نَتُوبُ!

 ***

يا دافِىءَ الأَيَّامِ، وَخْزُكَ  في الحَنايا، لا يَغِيْبُ

يَبقَى حَنِينُكَ نابِضًا، في البالِ، ما نَبَضَت قُلُوبُ

ويَشِيبُ عالِي الرَّأسِ، مِن كَرِّ السِّنِينَ، ولا تَشِيبُ!

***

إِنَّا، إِذا ارْبَدَّ الرِّدا الزَّهْرِيُّ، واقتَرَبَ المَغِيبُ

وعَلا الخُطَى ثِقَلٌ، وطافَت، في عَباءَتِنا، الكُرُوبُ

وبَدا كَأنْ مِنْ ساحِقٍ، ما كَانَهُ الأَمْسُ القَرِيبُ

وطَغا الهَجِيْرُ، فَأَرضُنا الخَضراءُ مُنبَطَحٌ كَئِيبُ

لا! لَنْ نُسَلِّمَ، فَالحَياةُ، إِذا أَرَدتَ، مَدًى رَحِيبُ

ويَظَلُّ، ما طاشَت سِهامٌ، في الكِنانَةِ، ما يُصِيبُ

هل لي، وأَعيانِي الصَّوابُ، بِمَن، على سُؤْلِي، يُجِيبُ

هل يَلتَجِي لِحِمَى البَصِيرَةِ، إِذ دَهَى البَصَرَ الغُرُوبُ

وطَوَى الإِهابَ هُمُودُهُ، فَذَوَى، به، البُرْدُ القَشِيبُ

كَهْلٌ تَداعَى في الهُمُومِ، ومِثلُهُ شَيْخٌ أَرِيبُ؟!

هل يَستَجِيبُ لِلاعِجٍ، يَكوِي، ويَرقُبُهُ المَشِيبُ

إِمَّا دَعَت فِتَنُ المِلاحِ، وأَومَأَ الحُسنُ الرَّطِيبُ؟!

أَمْ هل يَغُضُّ، ومِلْؤُهُ شَوقٌ، وعَينٌ تَستَطِيبُ؟!

وَاهٍ بِهِ! هذا الفُؤَادُ، وَهَى، وَقَرَّ به اللَّهِيبُ

وتَراهُ يَلهَجُ بِالهَوَى، فَكَأَنَّهُ غِرٌّ طَرُوبُ

أَبَدًا على سَفَرٍ، فما لَحْظٌ رَماهُ، غِوًى، يَخِيبُ

تَلقاهُ في حَرَمِ الجَمالِ، وليس قاضٍ، أَو حَسِيبُ

عَنقاءَ، ما دَهَمَ الرَّدَى، فلها التَّجَدُّدُ، والوُثُوبُ

وكما النَّسِيمُ، خَلا، فَأَشجارُ الرُّبَى صَمتٌ رَتِيبُ

وَيَهُبُّ! فَالأَغصانُ أَوتارٌ، يُحَرِّكُها الهُبُوبُ

قِيثارَةٌ، هو، في الهُيامِ، فَأَيُّ أَنمُلَةٍ، تَؤُوبُ

لَتُحَرِّكُ السِّلْكَ النَّؤُومَ، على نُغَيماتٍ تُذِيبُ

فإِذا الحَفِيفُ لَواعِجٌ تَبرِي، وأَلحانٌ نَسِيْبُ!

***

أَفنَيتُ بَعضِي، سائِلًا بَعضِي، فأَعيَتنِي الغُيُوبُ

وَوَجَدتُ أَنِّي، في فَيافِي الفِكرِ، جَوَّالٌ غَرِيبُ

هذا يَقُولُ: اترُكْ قُيُودَكَ، فَالهَوَى فَيْحٌ خَصِيبُ

ويَقُولُ ذا: دَعْ بَهْرَجَ الدُّنيا، فَمَرسَحُهُ العُيُوبُ

أَفَيَبُلغُ السِرَّ الدَّفينَ، وإِنْ يُقالُ لَهُ اللَّبِيبُ،

مَنْ دَأْبُهُ عالِي السِّماكِ، وفَوقَ راحِلَةٍ يَجُوبُ؟!

فَامْلَأْ دِنانِي، هَدَّنِي التَّنقِيبُ، واللُّغزُ العَجِيبُ

لَنْ أَعبُرَ الدُّنيا، وتُرهِبُنِي النَّواهِي، والذُّنُوبُ

فَأَتِيهُ، في حَلَكِ الدُّرُوبِ، وقِبلَتِي المُلْكُ السَّلِيبُ

إِنِّي حَمَلتُ صَلِيبَ أَعبائِي، فَيَكفِينِي الصَّلِيبُ!

اترك رد