تقول الفنانة عبير عربيد عن تجربتها: «إنها عالمي المخزون في وجداني المتراكم من ذاكرة وحاضر وتمنيات إيجابية للغد، تجمع مشاعرنا من الحب والوطن والفرح والوداع، والنجاح والألم والإنسان الذي يتأمّل ويراقب الأحداث. فكل ما أرسمه من أشكال كأنني أكتبه برسومات لها رؤية خاصة وواضحة بأشكال لا متناهية».
وقد شاركت عبير عربيد في العديد من المعارض التشكيلية في لبنان وخارجه ومنها ما يحمل عناوينا اجتماعية ووطنية وإنسانية، ومعها أجرينا هذا الحوار:
{ المعاناة والحركة في الألوان والخطوط، لماذا كل هذه الألوان؟
- قد تكون معاناة وقد تكون أسلوب تعبيري.. فالفن لغة والعمل الفني صوتها المجبول بالألوان والخطوط والتكوين الذي يتجسّد بتأليف وترجمة الفكرة برؤية لها مضمون ورسالة عبر العمل الناتج من مخزون متراكم من الأحداث المحيطة التي تتطوّر أمامنا وحولنا بشكل سريع وسريع جدا على كل الأصعدة، وهنا يكمن دور الفنان وأدواته لإخراج عمله بهذا الزخم من الخطوط والألوان كما تفضلتي بالسؤال عن أعمالي وزخم مكنوناتها (وهذا الكلام لا يشمل كل الفنانين، فلكل فنان أسلوبه وخصوصيته في طرح رؤيته والفكرة في عمله).
{ دراما المعنى وقوة الإيحاء وجمالية المضمون، هل تتكوّن الأشكال تلقائيا في لوحاتك؟
- كما ذكرت سابقا كما تعرفين مررت بالعديد من التجارب والبحث والمراحل الفنية ومواكبة المدارس الفنية.. فأعمالي بدأت بالكلاسكية والانطباعية ثم التعبيرية والتجريدية والسريالية الى أن في الأعوام التسعة السابقة، التي مرّت على الوطن العربي والأمة جمعاء الى يومنا الحالي، كانت أحداثها سريعة سادت عليها ملامح (الصدمة والدهشة والألم والتهجير والنزوح والحرائق والحروب، والوجع فيها أكثر من الفرح) حتى بات المشهد الطبيعي هو الحرمان والقتل والشهادة والقهر وفقدان الأحبة والوباء والمرض وتلوث البيئة وأكثر.. والطبيعة أصبحت منفسنا، الشهيق والزفير فيها يبثّ فينا أوكسجين الاستمراية والتفاعل والبقاء، وبدا المشهد يتراكم الى أن يرسم تفاصيله من مكنونات الفكر والوجدان وتفاعله مع الواقع، لتتجسّد الرؤية على السطح المرسوم من قماش أو كرتون.. فكانت هويتي في هذا الأسلوب، فلم تعد المساحات كافية للتعبير عن مكنوناتي ومدلولاته، فالفضاء كله متاح للتنفس والتعبير لا يحدده أي إطار يلغي فسحة الأمل في غد أفضل، وتلقائيا عندما أبدأ بالرسم أتوحّد معه وتبدأ الجولة بحوار عميق لها بداية، ولكن نهايتها تنتهي بقياس العمل المختار للجولة التعبيرية وخطوطها وألوانها، فلم يكن للفراغ مكان في جولتي، والفضاء في انتظار دائم بما يمتلئ من حكايات وصور، رسمتها أو رسمتني بتلقائية وعفوية البُعد الأساسي فيها العمق والصدق بتأسيس الفكرة وتدوينها من رؤى لاسترجاع وإضافة وابتكار صور بإستعادة رمزية الأشكال ببساطتها وعمق تعبيرها والوصول للهدف منها، مما يتطلب جهد مضاعف للتوازن مع الطرح الفني المقصود من العمل، فكتبت أفكاري صورا مرسومة بالريشة واللون ومواد مختلفه وكان الحروف هي صوتها عند اللقاء..
{ ذهنية تعبيرية تختزل معاناة الإنسان وحتى أسلوب العيش البسيط، لماذا كل هذا في لوحة؟
- هذا الزخم من الأحداث في حياتنا وذاكرتنا ومستقبلنا وما يواكبه من تطوّر تجسّدت في جداريات أعمال فنية وكأنها احتفال بكل دلالات البهجة والفرح، رغم شمولية معانيها من ألم وفرح وكل ما يوازيها من أحاسيس متفارقة، فعن بُعد تعكس الفرح والبهجة والفوضى وعن قُرب تتحدد تفاصيلها.
{ عبير عربيد ولعبة الغوامق والفواتح والألوان التي تزهو مع معاناة الإنسان، هل أعتبر هذا من التفاؤل؟
- لعبة الغوامق والفواتح والألوان التى تزهو مع معاناة الإنسان ليست لعبة بقدر ما هي حقيقة.. لا يمكن للتفاؤل أن نراه في عمل مركّب أو مقصود وصاحبه لا يمتلك في تكوينه التفاؤل ولا يمكن للتعابير بكل معانيها أن نقصد تأليفها، ولكن يمكننا أن نرسمها بجمال واحساس كل من يجسّدها في إنشاء عمله.
***
(*) جريدة اللواء 11 آذار 2021