ثَغْرٌ وَشِعْر!   

   

تَقُولُ: وَقَد مالَت وَرَنَّحَها الشِّعْرُ،        قَوافِيكَ أَوتارٌ، وأَجنِحَةٌ خُضْرُ

وتَشْدُو، لَتَشدُو بِي الجَوارِحُ غِبطَةً،      وأُبحِرُ في الرُّؤْيا، وأَشرِعَتِي الفَجرُ

كِلانا، أَيا رَبَّ الرَّوِيِّ، لِمَوعِدٍ            مع الشِّعْرِ، أَنتَ المَدُّ فِيهِ، أَنا الجَزْرُ

حُرُوفُكَ وَشْيٌ مِنْ أَقاحٍ، ومِنْ نَدًى،      وقَلبِيَ تَوْقُ النَّحْلِ أَجَّجَهُ الزَّهْرُ

فَهاتِ، لنا، يا وَرْدَةَ القَولِ، إِنَّنا           عِطاشٌ إِلى طَلِّ القَوافِي، لها نَشْرُ!

وتَصمُتُ، في دَلٍّ؛ فَيَنحَمُّ خافِقِي!        أَنا، يا زُهَيْراتِ الصِّبا، شَوقِيَ النَّهرُ

أَثُورُ! فهل تَدرِي ضِفافِي بِأَنَّنِي،         تَجاوَرَ في أَمواهِيَ التُّرْبُ والتِّبْرُ؟!

أَصُونُكِ، لا تَخشَيْ، فَأَنتِ لِمُهجَتِي،     إِذا شاقَها  البَوْحُ، اليَراعَةُ، والحِبْرُ

وأَنتِ، مِنَ الأَشعارِ، ما ساقَ وَحيَها،     كما المَرمَرُ المَقصُوبُ شَكَّلَهُ النَّقْرُ

وأَسرَحُ! إِذ تَرنُو، بِهُدْبٍ مُؤَسَّلٍ،          فَتُغرِقُنِي العَينانِ، سِحرُهُما البَحْرُ

وأَنهَلُّ، في أَبهَى القَوافِي، جَزالَةً،         وأَسكَرَنِي ثَغْرٌ، وما نَطَقَ الثَّغْرُ

لَفِي نُسْغِ شِعرِي مِن جَمالِكِ عَزْمَةٌ،      وفي  ظُلمَتِي اللَّيلاءِ، لَحظُكِ لي بَدْرُ

أَنا دِيمَةٌ، يا رَبَّةَ الحُسنِ، يَمِّمِي،         فَتَبسِمَ لي الأَزهارُ، أَنعَشَها القَطرُ

ويَنداحَ، في دِيباجَتِي، المَرْجُ، نَوْرُهُ،       وعُقْبَى حُرُوفِي نَشوَةٌ، خَدَرٌ، خَمْرُ

تَقُولِينَ: أَنتَ الوَردُ! يا لَيتَ أَنَّنِي          على صَدرِكِ المَزهُوِّ يُغفِلُنِي الدَّهرُ

لَئِنْ كُنتُ مِن وَردِ الرُّبَى، يا جَمِيلَتِي،      فَأَنتِ، بِأَكمامِي، الطِّلاوَةُ، والعِطرُ!

***

إِذا المَرءُ لَم يَعشَقْ، وقد غَنَجَتْ لَهُ         شِفاهٌ نَدِيَّاتٌ، وَأَردانُها حُمْرُ

وما هَزَّهُ لَيُّ القَوامِ، على غِوًى،             ولا شاقَهُ نَحْرٌ يُوَرِّدُهُ الجَمْرُ

فَقُلْ عَوْسَجٌ، في البِيْدِ، صَوَّحَهُ الظَّما،       فَأَودَى بِهِ حَرٌّ، وكَفَّنَهُ قَفْرُ!

فَإِنْ كُنتَ في حال الهَوَى، ولو انَّهُ          شَجا قَلبَكَ الذَّاوِي، فَفارَقَكَ البِشْرُ

فأَنتَ، على الجُرْحِ الثَّخِينِ، كأَنَّما           تَحُوقُ بِكَ الواحاتُ، والجُزُرُ القُمْرُ

هِيَ آيَةُ الحُبِّ المُسَيطِرِ في الوَرَى:         تَرَى الجَمْرَ جُلّنارًا، وَيَفتِنُكَ النُّكْرُ!

 ***

خُذِينِي على رِسْلِ الهَوَى إِنَّنِي، وفي        صَلابَةِ أَوصالِي، يُزَعزِعُنِي السِّحْرُ

فَأُبحِرُ، هَيْمانًا، بِصُبْحَةِ طَلَّةٍ،           ومِنْ سَلسَبِيلِ الحُسْنِ «تَعتَعَنِي السُّكْرُ»

غِوَى المُقلَةِ النَّجلاءِ يَأْسُرُ خاطِرِي،         يُكَبِّلُنِي؛ لكِنْ يُدَغدِغُنِي الأَسْرُ

أَنا الكِبْرُ، لا يَلوِي، فَإِنْ جاءَنِي الهَوَى،      على قامَةٍ مَيْساءَ، فارَقَنِي الكِبْرُ

«ذَرِينِي أَنَلْ» ما أَشتَهِي، فَرَحِيقُهُ             رَبِيعٌ، وأَطيارٌ، وأَشرِعَةٌ نَضْرُ

وخَفْقٌ يَهُزُّ القَلبَ مَسْرَى رَحِيقِهِ،            فَتَندَى يَراعاتٌ، ويَزهَوهِرُ الفِكرُ

إِذا «قَيْسُ»، في الماضِي، و«لَيلاهُ» مِلؤُهُ،      دَهاهُ الهَوَى حَتَّى تَمَلَّكَهُ القَهْرُ

فَباتَ نَزِيلَ البِيْدِ، والإِلْفُ طَيفُها،              فَإِنْ ذُكِرَتْ «لَيلَى» يُرَنِّحُهُ الذِّكْرُ

أَنا! كُلُّ «لَيلَى»، في الجَمِيلاتِ، قِبلَتِي،   هَواهَا هَوَى رُوحِي، ومَسكَنُها الصَّدْرُ

أَنا القَلبُ، عِندِي صَبْوَةٌ إِثْرَ صَبْوَةٍ؛           ويَومٌ يُجافِينِي الهَوَى لَهُوَ الخُسْرُ

فَفِي كُلِّ إِدلالٍ خَيالُ قَصِيدَةٍ،              ومِنْ مُلتَقَى القَلبَينِ يَنبَجِسُ الشِّعْرُ

هو العُمْرُ آهاتٌ، وجَرْحَةُ خافِقٍ            فإِنْ هَمَدَتْ آهاتُنا، هَمَدَ العُمْرُ!

اترك رد