ولد الفنان حسين حسين عام 1970 في لبنان، وقضى طفولته في السنغال، وعاد عام 1983 إلى وطنه الأم. أكمل دراساته التقنية في الإلكترونيات، وحصل على درجة الماجستير في الصيدلة عام 1998 في أكاديمية سانت بطرسبرغ في روسيا، وهي مدينة ستشكّل شخصيته الثقافية المستقبلية. في بيروت التحق بالجامعة اللبنانية حيث حصل على شهادة الدبلوم في الفنون التشكيلية عام 2007. حصل على منحة للدراسة في باريس. لكنه أكمل في بيروت درجة الماجستير في عام 2012، ثم حصل على الدكتوراه في الفنون وعلوم الفن من الجامعة اللبنانية في الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية عام 2017. أقام 6 معارض فردية وحوالي 50 مشتركة. يدرّس الفن في الجامعة اللبنانية الدولية بالإضافة إلى الحدث في الجامعة اللبنانية – الفرع 1. ألّف كتاب «الفنون المتفككة، الصفحة المفقودة من تاريخ الفن المتمرد». ومع الفنان حسين حسين أجرينا هذا الحوار..
{ المعاناة الإنسانية تتخذ عدة تشكيلات في أعمالك، لماذا هذا التركيز على المعاناة، ومن أين تستوحي هذه الرسوم؟
- لطالما كان الإنسان محور معظم الأعمال التي أنجزتها، حتى في لوحات الطبيعة كنت أدخل شيئا يذكّرنا بوجوده. بالنسبة لي، يمرّ الإنسان في حياته بفرح وحزن معا، لكن المعاناة دائما تقف في طريقه أكثر من الفرح، لكنه ميّال الى أن ينسى الأحزان ويستمر في حياته. تماما كما أنا أشعر، بعيد من أن أكون متشائماً، أرى ان الإنسان هو مخلوق يطغى عليه الشر دون أن يعني هذا انه لا يحب الخير، لكنه ميّال للشرور، أقصد في الطبيعة البشرية اللاواعية، الخير لا يتغلّب على الشر سوى بمجهود وتحكم. قد لا يتفق معي أناس كثيرون لكنها وجهة نظري، وهذا لا يعني انه لا يوجد أناس خيّرين لكنهم أقل عدداً. استوحي رسوماتي من الواقع المحيط بي، المعاناة محيطة بنا من حروب واضطهاد وتحكم القوي بالأضعف من خلال أساليب عدة نتخدّر من خلالها لنصبح أداة طيّعة بيد من يسيطر علينا. واستوحي أيضا من قراءاتي في مواضيع عدة من علم نفس والتواصل والإدراك البصري وسهولة أن يُخدع الإنسان وابتعاده عن الصواب في نفس الوقت الذي يظن انه يفعل الصواب.
{ مشهديات فنية تؤلفها لتوحي بأكثر من معنى بصري لماذا؟ ومتى تضع الحدود لريشتك؟
- بالفعل، في معظم الأعمال لا يوجد معنى واحد، إذ أحاول دائما إيصال رسائل قد تعني المتلقي محاولا عدم إرهاقه في تحليلات صعبة كما أحاول الابتعاد عن المباشرة. العمل الفني من وجهة نظري أقوى عندما يحمل رسالة إنسانية ولو مشفّرة قليلا. بالنسبة لي، العمل الفني لا يصل الى نقطة أو مكان نقدر أن نقول انه اُنجِز. بعد أن تكتمل عناصر العمل التشكيلية من تأليف وغيره يمكنني أن أتوقف عن العمل الفني كما يمكنني أن أعيد النظر ببعض الجوانب التشكيلية حتى وتغييرها وهذا متعلق بالسياق العام لما يحيط بي من ظروف وأحاسيس قد تؤثِّر على العمل الفني. للعمل الفني عدة حلول وينتهي العمل بقرار من الفنان الذي ينجزه.
{ فوضى وتلاشي ألوان وتضخيم أحيانا لبعض المعاني الإنسانية، هل تشعر اننا في أزمة إنسانية لا تنتهي؟
- فوضى في العمل كما في الحياة التي نعيشها. وأحاول أن أعكس هذا الاحساس من خلال أعمالي. تضخيم بعض العناصر في العمل هي كمن يصرخ مرتين أو أكثر للتأكيد على ما يحاول قوله.
نحن حتما في أزمة إنسانية لن تنتهي طالما الإنسان موجود وطالما لا يرى الإنسان انه في أزمة هو سببها. قد يعتقد من يقرأ هذه السطور انني لا أرسم سوى الإنسان في أزماته. الأمل والتفاؤل والبسمة لديهم مكان مهم في أعمالي. الطبيعة فيها مساحات صافية وألوان زاهية وصارخة أحيانا، وكأنها التعويض عن الجانب الآخر للروح الإنسانية.
{الفنان حسين حسين ماذا يقرأ؟ ماذا يشاهد؟ ما هي أولى اهتماماته؟
- تبدّلت اهتماماتي وبقيت المشاعر الإنسانية هي الأكثر جذباً لي. درست الصيدلة وأعمل في هذا المجال منذ ١٩٩٧ وقد أحببت الجانب الإنساني فيه كما نفرت من الجانب التجاري الذي فيه، حيث احتكيت بجوانب كثيرة من الإنسان. فالفن كان بمثابة التعويض النفسي لي حيث هربت واعتقدت ان الإنسان الفنان هو أرقى وأكثر واقعية… لم أرَ فرقا كبيرا… في الفن كما في غير الفن وجدت «احساس صادق واحتيال، كفاءة وضعف، تجارة ورقيّ»… انه الإنسان على طبيعته. كما قرأت عنه ولم اقتنع في البداية، لكن بعد عمر معيّن ومراقبة وربط الماضي بالحاضر والاطلاع على موضوعات مختلفة وكسر التابوهات بهدف المعرفة وصلت الى ما تكلمت عنه قبل قليل. أحب الـstand up comedy وأحب القراءة، لطالما انجذبت الى علم النفس المجتمعي، والإدراك والتحليل والعلوم. مع انني انجرفت بشكل شبه كلي نحو الفن الى انني ما زلت أتابع بعض المواضيع الطبية والصيدلانية التي انعكست مرات عدة في أعمالي الفنية. ويبقى الفن أولى اهتماماتي وأحاول من خلاله توصيل رسالة مهمة تتعلق بالكتاب الذي نشرته قبل سنتين إذ انني أعتقد ان لموضوع «الفنون المتفككة؛ الصفحة المفقودة من تاريخ الفن المتمرد» تتمة تحليلية لاستكمال ما بدأت به.
{أساطير ورموز وحضارات مبنية على رؤى تحاكي الحاضر أو الواقع، هل هذا صحيح؟
- للأساطير مكان كبير في حياتنا اليومية بالشكلين الواعي واللاواعي، وانعكست حتما في الأعمال هذه. هذه القصص شاركت بتكوين الحاضر. منها ما لا يضر ان وجد ومنها ما قد يشوّش على ادراكنا بشكل كبير. في الأعمال هذه إنعكاس للواقع كما أراه أنا. تختلط علينا في أوقات كثيرة الخرافات بالحياة الواقعية حتى نصل الى مكان يصعب أوقات الفصل بين ما هو حقيقي وما هو أسطورة.
***
(*) جريدة اللواء