جميل الدويهي: المُبصرون – من كتاب “بلاد القصرين”

 

دخلت امرأة فائقة الجمال إلى حانوت خيّاط، وقالت له: هل رأيتَ ردائي؟ إنّه من حرير أصليّ، ومطرّز بخيوط الذهب. قيل عنه إنّه كان لملكة من الملكات في فرنسا، واشتريته من المزاد بسعر خياليّ… ما رأيك به؟

أجاب الخيّاط، وهو يغضّ الطرف، ويعمل في ثوب من القماش الرخيص: صدّقيني يا امرأة. لم أرَ في حياتي ثوباً أبشع ممّا ترتدينه. لا تخبري أحداً بأنّك اشتريتِه بثمن غال، فقد يسخر منك السامعون.

مضت المرأة حزينة، فوصلت إلى دكّان صائغ، فقالت له: أنظر إلى هذا السوار الذي في يدي… إنّه من الياقوت النادر، وفيه ألماسة كانت في تاج أمير هنديّ. وسرقها اللصوص، حتّى وصلت إلى يد صائغ يشبهك، فجعلها في سواري… ولعلّك تعرف كم ثمنه وقيمته!

تظاهر الصائغ بأنّه منشغل وغير مهتمّ بكلام المرأة، وقال لها بشفتين باردتين: أعتقد أيّتها السيّدة أنّ ما ترينه تحفة خالصة، هو شيء زهيد الثمن… فإيّاك أن تذكري أمام الناس ما ذكرتِه أمامي، فقد يتّهمونك بالكذب أو الجنون.

 

خرجت المرأة من دكّان الصائغ حزينة وغاضبة، وبينما هي تسير في الشارع صادفت نسوة عائدات من حانة، فنظرنَ إليها شزراً، وقالت إحداهنّ: تبّاً لهذه العجوز الشمطاء. هل رأيتنّ مَن هي أكثر بشاعة منها؟

وقالت امرأة أخرى: لو أنّ رسّاماً يريد أن يرسم شيطاناً، لجاء بهذه السيّدة لكي يستوحي منها.

وقالت الثالثة: إنّ رأسها فيه طُول، وساقَيها مثل ساقي ملكة سبَأ.

غابت السيّدات المتهتّكات في ضباب رماديّ، وهنّ يتمايلنَ يميناً ويساراً، وينشدنَ أغنية رديئة. وبقيت المرأة الجميلة وحدها، فطفرت دموع من عينيها.

وكان رجل شحّاذ يقعد على الرصيف، فرفع رأسه إليها، وسمعها تتنهّد بأسى، فقال لها: لا تحزني يا ابنتي، فلستِ أنت المرأة البشعة الوحيدة في هذا العالم… النساء الجميلات لا وجود لهنّ.

نظرت المرأة إلى الشحّاذ، فعرفت أنّه أعمى.

هزّت برأسها، وقالت له: لا يهمّني أن أكون بشعة أو جميلة، لكنّني أبكي لأنّ البشر لا يُصدّقون ما هو صِدق… ولأنّ المبصرين ليسوا بأفضل حالاً من العميان.

***

(*) جميل الدويهي: مشروع “أفكار اغترابيّة” للأدب الراقي – 2021

اترك رد