عزت العلايلي، مارون بغدادي، والطالب

 

د. شربل داغر

التقيت بمارون بغدادي في “الغندول” مساء. كان يتحدث عن اليسار بإعجاب، لكنني ما أن تحادثتُ معه عن السينما (وهو كان يدْرُسها في باريس، على ما علمتُ بعد وقت) حتى انصرف إليها من دون توقف، من دون سؤال… كنتُ أنظر إليه، وأراقبُ ذلك الحماس في العينَين، في أصابعه الطويلة، في تدفق الجُمل… يحادثني عن هوليوود، عن المخرج فرنسيس فورد كوبولا، فيما أنظر إليه عجبًا في داخلي : كيف لمخرج موعود أن يعجب باليسار، وهو يحب هوليوود!

كان مارون يتنقل من حديث إلى آخر، بجُملٍ قصيرة لا تلبث أن تنقطع من تلقاء نفسها. كما لو أنه يتكلم، ولكن من دون صورة مصاحبة، بل وفق سيناريو يعرفه وحده، بوصفه المخرج.

كان يرغب في أن أكون ممثلًا في فيلمه الجديد : “بيروت، يا بيروت” (1974).

“ماذا؟ ممثل؟!”.

“أجل… الآن أصبحتُ مقتنعًا من صحة الخيار”، أجابني مارون يحزم.

لم أعرف، ولم أفهم ما يقصد. شرحَ لي أنه يصور فيلمه الأول، وأنه يبحث عن قائد نقابي يوجِّه “بطلَ” الفيلم في المسار السياسي اليساري : “كان قوميًّا، ويتوجه إلى اليسار”. مثل بيروت، خينهل، على ما يبدو…

كنتُ قد حلقتُ لحيتي الطويلة، لسبب لا زلتُ أجهله. كان يفضل مارون أن أكون بلحية، لكن وقته ضيق…

انتقلَ بعد أيام بعدة التصوير إلى الكلية، وانتقلنا إلى قاعة الجمعية العمومية، وطلبَ مني الوقوف حيث كنتُ أقف للخطابة فيها. ولكن من دون كلام. كنتُ “أمثل” دور الخطيب من دون أن أتفوه بكلمة، فيما دعوتُ بعض الطلبة للالتحاق بنا في القاعة للغرض التصويري عينه.

الطالب البيروتي لم يكن غير الممثل المصري عزّت العلايلي، الذي رحب بي بضحكته العريضة : “أهلا بالقائد”.

لم أستسغ كثيرًا عبارته، لكنه كان شديد المطواعية في ما يطلبه مارون منه، هو الممثل المعروف مع المخرج الذي لم يُقْدم بعدُ على إخراج فيلم واحد. كان عليَّ أن أصطحب عزّت معي في تظاهرة؛ وهو ما حصل وفق موعد اتفقت عليه مع مارون وفق تواقيت التظاهرات.

مضى التصوير على خير، في الشارع المؤدي من كلية التربية إلى مستديرة الكولا. لم ينتبه، يومها، الطلاب، إلى وجود عزّت، ولا إلى الكاميرا، عدا أن تصوير اللقطة احتاج إلى دقائق معدودة. كنتُ مع عزّت اليد باليد، في تلاقى السواعد، مثلما كان الطلاب يتساندون في المشي، ويعلنون الوحدة والتصميم في ما بينهم.

على أي حال، لم تنقطع يدي عن اللقاء بعزت، بعد سنوات وسنوات، في باستيا، في جزيرة كورسيكا، أو في القاهرة أكثر من مرة، من دون أن تفارقه العبارة : “كيف القائد؟”.

(تعود الصورة المرفقة إلى لقائي بالعلايلي في باستيا (جزيرة كورسيكا، جنوب فرنسا)، اثناء مشاركة فيلم “المواطن مصري”، مع مخرجه صلاح أبو سيف، في مهرجان باستيا للفيلم المتوسطي، في العام 1991).

اترك رد