عَمّرتُ بيتاً من الفخّار والطينِ
وعشتُ فيه كبوذيٍّ من الصينِ
وكم فرحتُ لأنّي لا أرى أحداً
ولا ألوّح إلاّ للطواحينِ!
زرعتُ في تلّةٍ قمحاً، وفاكهةً
وكنتُ أقطفُ أثماري بتشرينِ
وكنت أخبزُ في فُرنٍ على حطَبٍ
خبزاً رقيقاً، له طعمُ القرابينِ
وحينَ أعطشُ، كان النبعُ يسكبُ لي
من ماء عينيه في كفّي، ويسْقيني
وكنتُ أغفو على شبّاك أغنيتي
فوقي النجومُ، وأحلامي تغطّيني…
وذات يومٍ، بدأتُ الفنّ من ضجري
فصرتُ أرسمُ أشباهَ السعادينِ
رسمتُ حولي قرىً فيها عمالقةٌ
وآخرونَ حُفاةٌ كالشياطينِ
وآخرون قِصارٌ يرقصُون على
شَوك الحقول، وأوكار الثعابين…
وحاكمونَ، وأتباعٌ، وحاشيةٌ
ولاعبُونَ بأقدار المساكين…
وفي الشوارعِ أشباحٌ مولوِلةٌ
فمَن يُخلّصُني منها، ويحْميني؟
رأيت في صُوَري ما كنتُ أكرهُه
حتّى غضبتُ على أقلام تلْويني
رأيتُ مَن طعنوا في الظهر، مَن أكَلوا
خبزي، ومَن سرَقوا منّي عناويني
رأيتُ من لوّحوا بالسيف، واقتتلوا
فالخيلُ والليل تجْري في الميادينِ
رأيت جنداً على بابي، فقلت لهم:
ماذا تريدون؟ فانْهَالوا بسكّينِ…
هربتُ من صوَري، حتّى وصلتُ إلى
مجاهل الأرضِ، مقطوعَ الشرايينِ
هناك أصبحتُ إنساناً بلا وطنٍ
ولم يعُد وطَن الإنسانِ يُؤويني.
***
(*) مشروع الأديب د. جميل الدويهي “أفكار اغترابيّة” للأدب الراقي – سيدني 2021.