أَنَا وَالرَّقْم وَالشِّعْر!
(قَضَيتُ زُهاءَ نِصْفِ قَرْنٍ بِرُفقَةِ الرِّياضِيَّات، بَينَ تَعَلُّمٍ وتَعلِيم)
يا رَقمُ ما لَكَ زِدْتَ في إِرهاقِي ومَضَيتَ تُفسِدُ، بِالأَمَرِّ، مَذاقِي
وقَتَلتَ أَشواقًا تَنادَت لِلغِوَى وَوَلَغتَ في سِحْرِ الهَوَى الرَّقراقِ
فَإِذا نَفَرْتُ إِلى القَرِيضِ تَعُوقُنِي حاجاتُ دَهرٍ مُمْعِنٍ بِلِحَاقِي
وتُعِيدُنِي لِرِحابِكَ الغَبراءِ، لا رَاقٍ يَكُفُّ جِماحَها أَو واقِي
أَوَّاهُ! هل لِي مِن قُيُودِكَ مَهْرَبٌ يا رَقْمُ… هل لِلعَبْدِ مِن إِعتاقِ؟!
***
عَقلِي يَرُوضُ مِنَ الأَحاجِي صَعبَها وَيَفُلُّ ما استَعصَى مِنَ الإغلاقِ
لكِنْ هَوىَ قَلبِي هُناكَ بِساحِرٍ لِلشِّعرِ… طارَ بِقَلبِيَ التَّوَّاقِ
هذِي الرِّياضِيَّاتُ مِلْءُ دَقائقِي، عَبَثَت بِشِعرِي المُشْرِقِ، المُنْسَاقِ
وغَدَت مُعَشِّشَةً بِدِفءِ خَمائِلِي وَدَهَت نَضارَتَها بِلا إشْفَاقِ
وأَنَا الشَّقِيُّ أَهِيمُ في أَدغالِها وَأَتِيهُ مِنْ نَفَقٍ إِلى أَنفاقِ
يَوْمِي جَحِيمُ مُعادَلاتٍ فِجَّةٍ حَجَبَت سَحائِبُها سَنا آفاقِي
وتَسَرَّبَت، حَتَّى المَسامِ، فَصَوَّحَت زَهْرِي النَّدِيَّ، وأَذبَلَت أَوراقِي
كانَ اللِّقاءُ بِها لِعْهدٍ قد نَأَى! طالَ اللِّقاءُ، فَلَهفَتِي لِفِراقِ
أَلفَيتُها مِلحاحَةً فَأَنِفْتُ مِنْ وَعْدِ الغِنَى، وَمُذَهَّبِ الأَطواقِ
وَفَرَرتُ مِن لَمَساتِها في نَفْرَةٍ لِلرُّوحِ تَنشُدُ مَنْبِعَ الإِشْراقِ
أَصبُو لِقافِيَةٍ كَأَنَّ بِجَرْسِها نَغَمَ السَّمَاءِ، وجُرْعَةَ التِّرياقِ
تَأتِي إِلَيَّ جَلِيَّةً، تَوَّاقَةً تَهَبُ الوِصالَ بِشَهْوَةِ المُشتاقِ!
***
أَينَ الفُرُوُضُ؟! تَكَدَّسَت أَوراقُها حُكْمِي، وَسَجَّانِي، وَشَدُّ وِثاقِي
تَطغَى على خِصْبِ الخَيالِ بِعُزلَتِي، وَعَلى الصَّفاءِ، بِسَيلِها الدَّفَّاقِ
وتَحُلُّ كَالهَمِّ الدَّؤُوبِ بِمُقلَتي، وتَغُلُّ في كَأسِي وفي أَطباقِي
مِنْ نَغْمَةٍ لِلشِّعْرِ تَحمِلُنِي إِلى عالِي الثُّرَيَّا، والمَدَى البَرَّاق
أَرقَى السَّحابَ على الخَيالِ، مُرَنَّحًا، بَيْنَ الخَواطِرِ، في أَحَبِّ تَلاقِ
وبَناتُ شِعْرِي رافِلاتٌ بِالرُّؤَى، أَجواقُ إِلِهامٍ إِلى أَجواقِ!
***
حُبِّيْكَ شِعْرِي! كَمْ نَشَدْتُ بِكَ المُنَى وكَلِفتُ، فِيكَ، بِوَهمِكَ الخَلَّاقِ
ظَنُّوكَ ضَرْبَ غَوايَةٍ! لَوْ أَدرَكُوا سِحْرَ الذُّرَى، ومَفاتِنَ الأَعماقِ
لَأَتَوْكَ، في نَدَمِ الغُواةِ، وَجَلَّلُوا خَطَأَ الضَّلالِ بِتَوبَةِ العُشَّاقِ
أَينَ الخُوارِزْمِيُّ؟ أَينَ اقْلِيْدِسٌ؟ وَلَفِيِفُهُم؟ في زَحْمَةِ الأَشواقِ
إِذْ يَغنَجُ الحُسْنُ المُزَنَّرُ بِالصِّبا، وَيَلُوحُ طَيْفُ الوَجْدِ في الأَحداقِ
وتَهُبُّ قافِيَةٌ، وَيَسكَرُ خاطِرٌ، فَأَذُوبُ بَيْنَ تَمَنُّعٍ وعِناقِ!
***
رَبَّاه! لَولا عُصْبَةٌ في الشِّعْرِ ما فَتِئَ الفُؤَادُ يَؤُمُّهُم لِتَساقِ
أَمشِي على أَقلامِهِم؛ هُمْ قُدْوَتِي، رَكْبِي وَحَسْبِي، قِبلَتِي ورِفاقِي
جادُوا بِآياتِ الجَمالِ وَشَيَّدُوا لِلشِّعرِ أَرواقًا على أَرواقِ
لَولا خَمائِلُ مِن قَوافٍ غَضَّةٍ، يَنْعٍ، على أَفنانِهِنَّ، رِقاقِ
فَلَأَنتَ فِيها سادِرٌ في جَنَّةٍ بَينَ الحَفِيفِ على خَرِيرِ سَواقِ
لَولاكِ يا نُتَفَ القُلُوبِ، تَناثَرَت فَوقَ الصَّحائِفِ مِن يَراعٍ راقِ
لَسَئِمتُ مِن تَعَبِ الوُجُودِ وشِئتُ أَن يُطوَى الشِّراعُ وأَن يَذُوبَ الباقِي
رَبَّاه! لَولا غَفلَةٌ مِن شاغِلٍ صَعْبِ المِراسِ وَمُحكَمِ الإِطباقِ
لَمَضَت لَيالِي العُمْرِ لا شَجْوٌ ولا أَحلامُ وَعْدٍ بارِقٍ بِمَآقِ
وَلَما نَعِمْتُ بِمَجلِسٍ لِلأُنْسِ كَمْ غَنِجَت بِهِ غِيْدٌ، وَحَوَّمَ ساقِي
رَبَّاه! لَولا سِحْرُ أَسفارِي على مَتْنِ الخَيالِ، وَرِعْشَةِ الخَفَّاقِ
في أَعيُنٍ ذابَ الهَوَىَ فِيها، وفي طِيْبِ الحِقاقِ، وَمَرْمَرِ الأَعناقِ
مِنْ كُلِّ غانِيَةٍ على أَعطافِها ماجَ الرَّبِيعُ بِضَوعِهِ المُهراقِ
لَتَناثَرَت في الرِّيحِ كُلُّ مَنازِعِي وَقَضَت مُنَى نَفْسِي، وَقُضَّت ساقِي
ولَضاعَ زَهْوُ الرُّوحِ بَينَ مَتاهَةِ ـــــــــــــــــ الرَّقْمِ المُمِضِّ، وَحَوْمَةِ الأَوراقِ!
***
رَبَّاه! ذَرْنِيِ في ضَلالِي إِنْ يَكُنْ نُسْكِي بِقُدْسِ الشِّعْرِ مِنْ مِيثاقِي
واصفَحْ لِمَنْ يَلقاكَ في الكَلِمِ السَّنا، خَلْفَ الحُرُوفِ، وَطَيَّ كُلِّ سِياقِ
أَنا ما جَحَدْتُ، وَما كَفَرتُ بِنِعمَةٍ، أَو كانَ نُكْرُ الخَلْقِ مِنْ أَخْلاقِي
أَنا مَنْ يَثُوبُ إِلى رِحابِكَ خاشِعًا يَتلُو الصَّلاةَ بِرَهبَةِ الإِطراقِ
كنَّما أَنتَ الَّذِي، في حِلْمِهِ، بَرَأَ الجَمالَ وَجادَ في الإِغداقِ
وبَرَأْتَ رُوْحِي لا تَنِي عَنْ نَشْدِهِ وَلَو انَّ في جَمَراتِه إِحراقِي!
مرتبط