موسم الاعياد في صيدا… إطلاق صندوق المحبة للعائلات المحتاجة

  تحقيق حنان نداف

يحل موسم الاعياد المجيدة هذا العام في عاصمة الجنوب صيدا بشكل مختلف، فالمدينة التي اعتادت ان تحيي المناسبة بسلسلة من الانشطة على طريقتها الخاصة وبما تمثله من عنوان للعيش المشترك ومساحة تلاق وانفتاح على جنوبها وشمالها وشرقها، تأتي المناسبة هذه السنة في ظل جائحة كورونا وما فرضته من عادات جديدة باتت تطبع مختلف أوجه الحياة بالاضافة الى تفاقم الازمة الاقتصادية والمالية التي يرزح تحت وطأتها المواطن، حيث غابت الانشطة الميلادية للسنة الثانية على التوالي ومنها التي كانت تنظمها مطرانية صيدا للروم الكاثوليك بالتعاون مع بلدية صيدا وهيئات المجتمع المدني والمحلي مرة بسبب ظروف اندلاع ثورة 17 تشرين ومرة ثانية بسبب جائحة كورونا والأزمة المعيشية..

ولأن للعيد روحيته ورسالته استعاضت مطرانية صيدا هذا العام عن الانشطة الميلادية بإطلاق صندوق المحبة في كنائس الابرشية لجمع المساعدات المادية والعينية في محاولة لادخال بهجة العيد الى منازل الكثير من العائلات التي لم يعد بمقدورها ممارسة ادنى العادات الاحتفالية بسبب الظروف الاقتصادية الضاغطة وفي رسالة شعور وتآخي مع الاخرين في ظل هذه الظروف..

حداد
ولفت راعي ابرشية صيدا ودير القمر للروم الملكيين الكاثوليك المطران ايلي حداد الى أن “العيد يبقى هو العيد فلا كورونا ولا اي ظروف يمكن ان تغير عاداتنا وان فرضت بعض المتغيرات حفاظا منا على صحتنا وصحة الاخرين، وانطلاقا من ذلك استعضنا هذه السنة عن الانشطة الميلادية بما يسمى “صندوق المحبة” لمساعدة العائلات المحتاجة ورسم البسمة على الوجوه في موسم الاعياد.

وقال: “هذه السنة لن يكون هناك دعوات للاحتفال باضاءة شجرة الميلاد في القرى تلافيا للتجمعات مع الحرص على رفعها في الساحات، والقداديس والصلوات ستكون من دون مصلين ومن خلال البث المباشر، وتقبل التهاني سيكون عبر الهاتف”.

اضاف: “عيد الميلاد هو عيد العائلة ينطلق من العائلة بالمغارة والشجرة، هذا الرمز التاريخي الذي اذا وضعه الانسان في منزله يضفي جوا من الفرح. بالكورونا، وبالطقس البارد او الحار وأينما كان، الشجرة والمغارة سيتم وضعهما وجو العيد لن يتغير، ولكن الذي يتغير هو اللقاء الجماعي في الكنيسة وبالمعايدات في الاحتفالات في المطاعم. هذه الوقفة السنوية ستتغير، طبعا سنتأقلم مع ازمة كورونا لكي لا نؤذي بعضنا البعض وكي لا نؤذي انفسنا. ولهذا السبب طلبنا من الكنائس حتى الان لا اعرف ماذا يجد ويمكن ان نغير رأينا، ولكن حتى الان طلبنا ان تكون القداديس عبر وسائل التواصل بدون حضور المصلين. واذا كان هناك في بعض القرى اصابات كورونا هذا القرار يكون نهائيا. وفي حال عدم وجود اصابات في بعض القرى سيكون الحضور خجولا في الكنائس، 20 او 30 بالمئة”.

وتابع: “ولان التواصل الجماعي في ما بيننا مستمر، أحببنا ان ننشىء صندوق محبة ليساعد الغني الفقير. اطلقنا صندوق المحبة في القرى، ليوضع في الكنائس لجمع المال، وصندوق آخر للاغراض العينية. وهكذا يتحول موضوع العيد من بهجة خارجية الى بهجة محبة في ما بيننا”.

وقال: “طلبنا أن تكون الاحتفالات بشجرات العيد مقتصرة على ابناء القرى من دون دعوة فاعليات اخرى، تلافيا للتجمعات. فلتكن شجر الميلاد في المنازل وفي في الساحات العامة بقدر المستطاع، فالمواطن اليوم لم يعد لديه امكانات للزينة، لكن هناك ادوات زينة كانت موجودة في السابق يمكن ان نعود ونستخدمها لاحياء العيد”.

واكد حداد “اننا نريد ان نكسر كورونا، لا ان يكسرنا. وكورونا لن يخلق عادات جديدة في قرانا وخلال اعيادنا. نحن نصلي لان نتخلص من هذا الوباء موسمي العام المقبل، وعاداتنا القديمة ستبقى ضمن اطار محدود. مع وصول اللقاح في شباط المقبل، نتأمل خيرا. سيجربه الاميركيون والاوروبيون بدلا منا، وهكذا نكون نحن في مأمن. فاذا كان لديه آثار جانبية، اتصور اننا سنكون في الجانب الايجابي. بعد هذه الفترة وتعود عاداتنا لان لا شيء يكسر عادات الانسان بسهولة وفيروس كورونا لن يستطيع ان يخلق عادة جديدة في الاعياد”.

وعن غياب الانشطة الميلادية للسنة الثانية على التوالي في المدينة، قال حداد: “كان عيد الميلاد منبرا للتلاقي في صيدا، ومنذ سنتين لم نقم بهذا التلاقي بسبب الظروف، وهذا مؤسف، لكن هناك دائما نية موجودة بأن نتلاقى. التواصل مع الفاعليات والمراجع وتقبل التهاني والمعايدات اصبح عبر الهواتف، وطبعا هذا الامر فيه خسائر معنوية كبيرة، ولكن روحية العيد بالمحبة والسلام والتلاقي تبقى كما هي ولا تتغير”.

وتمنى حداد لسياسيي لبنان “المزيد من الوعي للاتفاق على تشكيل حكومة تكون مخرجا اساسيا من مخارج السلام في هذا البلد”، ودعاهم الى “التعالي عن الفئويات والانانية والمذهبية والطائفية نحو الخير العام لهذا البلد وهذا سيكون عيد بحد ذاته. اذا اعطانا الله حكومة توافقية صحيحة فهذا اكبر عيد بالنسبة لنا. نحن نكثف صلاتنا حتى يلهم الرب المسؤولين، فبقدر ما يكونوا فئويين بقدر ما سيخسرون جماعيا. لانه بالطائفية والمذهبية والفئوية لا يمكن ان نبني بلدا، بل علينا ان نقدم التنازلات لنبني وطنا”.

وتابع: “دائما، اقول علينا ألا ننتظر ما يأتي من الخارج من ردات فعل حتى نتأثر بها، بل ان نفرض انفسنا على المواقف الخارجية. الموقف الخارجي يطلب منا القيام بإصلاحات، نحن لسنا بانتظار احد للقيام بإصلاحات وانما ضميرنا يجب ان يقول ذلك واتفاقنا بين بعضنا وحاجتنا لبعضنا البعض. اليوم. صودف ان لبنان متعدد الطوائف والمذاهب، لكن ليس معنى ذلك اننا لو لم نكن هكذا لكنا اتفقنا، اذ ستبقى هناك فئويات حتى انه في المجتمعات الاوروبية هناك فوارق. اذا لم نعرف كيف نتعايش مع فوارقنا فلن نتمكن من بناء لبنان، حرام ان نخسر هذا البلد، الرسالة الكبيرة، فلبنان غني جدا”.

شجرة صيدا

بلدية صيدا تستعد لرفع شجرة الميلاد كما في كل عام عند تقاطع اشارة ايليا، ولفت رئيسها المهندس محمد السعودي الى انه “رغم الازمة المزدوجة التي تعيشها البلاد الا اننا نعيش موسم الاعياد المجيدة والتي تشكل بقعة أمل نحاول من خلالها رسم البسمة على وجوه الناس، وآمل في الوقت نفسه ان تحمل الاعياد هدية تشكيل الحكومة في اقرب وقت ممكن”.

وقال: “عيد بأي حال عدت يا عيد”، في الحقيقة نحن في زمن الازمات، المالية والاقتصادية والصحية جراء كورونا، اضافة الى أزمة عدم تأليف حكومة وغلاء الاسعار وارتفاع سعر الدولار. لذلك وضع البلد بائس، ولكن في نفس الوقت نحن نحترم التواريخ والاعياد وخصوصا مع قرب عيد الميلاد المجيد، ونحن في صدد رفع الشجرة الميلادية عند تقاطع ايليا في احتفال بالمناسبة”.

وفي ما يتعلق بكورونا في مدينة صيدا، قال السعودي: “كانت صيدا في أزمة كبيرة، وكنت دائما احذر ان المدينة موبوءة، فقد كان المعدل اليومي ما فوق السبعين اصابة، ولكن الحمد لله بعد تكثيف الاجتماعات لمتابعة الحالات وتهيئة الناس لاخذ احتياطاتهم اللازمة انخفضت الاصابات اليومية من 70 الى 40 ومن ثم الى 27 وبعدها الى 21. هذا العدد هو على صعيد اتحاد بلديات صيدا الزهراني، وطبعا نحن نتابع تفعيل دور المستشفى الحكومي الذي يستقبل حالات كورونا وأصبح لديه مختبر لاجراء الفحوصات”.

وتابع: “نحن نعيش ازمة مزدوجة صحية واقتصادية، فقد انخفضت القدرة الشرائية للمواطن بشكل كبير ويتم الحديث عن رفع الدعم، واذا تم فسيكون له تداعيات سلبية جدا على المواطن ولا سيما على الشرائح الفقيرة. الصورة قاتمة، ولكننا الان في موسم عيد الميلاد ونعطي العيد اهميته ونحاول رسم البسمة على وجوه الناس”.

وتساءل السعودي: “هل يعقل ان بلدا لديه هذا الكم من المشاكل، حصل فيه انفجار يعادل هيروشيما وما زلنا حتى الان لم نشكل حكومة، وحكومة تصريف اعمال مستمرة. هذا الامر غير مفهوم، نتلهى بأمور في ما بيننا ونسينا اننا جميعا على المركب ذاته، فاذا غرق سنغرق جميعا. لذلك أتمنى ان تتحسن الامور ويصبح لدينا حكومة في اقرب وقت، لانه بمفردنا لا يمكن ان نعيش واذا لم يأتنا دعم ستتعقد الامور اكثر”.

قرى شرق صيدا

وفي قرى شرق صيدا، رفعت البلديات زينة العام الماضي واضاءت شجرة العيد في الساحات.

بلدة البرامية التي تقع شمالي شرق المدينة، وهي من القرى التي تتميزت بزينتها الميلادية اكتفت هذا العام برفع زينة العام الماضي.

ويقول رئيس بلديتها جورج سعد: “بالرغم من الاجواء القاتمة التي نعيشها يبقى العيد فسحة الامل والمحبة التي تشكل متنفسا للفرح، فلا بد لنا ان ننشر هذه الروحية بين الناس. هذه السنة سنرفع زينة العام الماضي، لنزرع البهجة في القلوب ولان العيد هو الامل، ورسالته تعني التجدد ورجاؤنا يبقى بولادة جديدة تنتشل هذا الوطن من مآسيه، فاللبناني يستحق ان يعيش بسلام وفرح”.

واكد سعد ان “بلدة البرامية بطوائفها المختلفة والتي لطالما جسدت نموذجا مشرقا للعيش المشترك ستظل تبعث الامل وتجسد رسالة المحبة والسلام الى كل لبنان”.

***

(*) الوكالة الوطنية للاعلام

اترك رد