ممارسات فنية تتميز بالسذاجة والتناقض الفني

 ضحى عبدالرؤوف المل

 

يغوص الفنان “بيرت فيستر” ( Bert Pfister) في العوالم الخيالية دون أن يخرج من عالم الفن بسذاجة ترتبط باللاوعي الطفولي،

وضمن ممارسات فنية تتميز بالسذاجة والتناقض الفني المتأصل بالألوان، والكثافة الحركية بشكل أساس بين الخطوط التي لا تخضع لقواعد محددة، بل تتعلق بالإيحاء والتخييل المحتفظ بالأسرار، والمؤسس لهذا النوع من الفن بعيداً عن المبادىء الموضوعية والمنطقية أيضاً . اذ يلعب اللاوعي دوره في إبراز نتاج الإرادة التحليلية من أجل استخراج الأفعال، وفقاً للعقل الفني، وبدمج بين الوعي واللاوعي. وبالتالي فإن ريشة ” بيرت فيستر” ترتبط بالجوهر الفني ، وبجرأة تعبيرية يؤكد من خلالها على قوة الفن وقدرته في التحليل النفسي، وببراعة الفنان القادر على تجسيد تخيلاته في ترجمة الحقائق الحياتية والأشياء التي يلتقطها حسياً ، وتؤثر على مجرى حياته، وتترك أثراً فنياً متعدد الإيحاءات يمنحها فيستر تفصيلات ذات مستويات فنية غير تقليدية في إبراز اللحظات المؤثرة بصرياً. لتكون بمثابة إدراك للمعنى الحقيقي للفن المساعد في استخراج المعاني النفسية بسذاجة تنطوي على الكثير من المقاهيم الفنية التحليلية، بغض النظر عن الجمال ، لأنه في هذا الأسلوب الفني تمتد حدوده الى اللاوعي، والترجمات الماورائية للحياة بحد ذاتها، لتسمو اللوحة وتخترق أسرار الوجود بأسلوب بسيط وساذج ، وبانورامي خاضع لقوة الألوان وتشابكها عبر فضاءات غامضة ذات حكمة نفسية لا يمكن ترجمتها بالكامل، وإنما هي تعبير عن مراحل فسيولوجية من خلال الفن التشكيلي . فهل الوحي الفني هو مصدر هذه الرسومات فقط ؟ أم هو ترجمة طفولية لاواعية تجعلنا ندرك الكثير من المعاني الوجودية فنياً .

 

يفتح “بيرت فيستر ” الفضاءات التخيلية بوعي فني هو فطرة جمالية متعلقة بالأساطير والثقافة المكسيكية، التي هي جزء من التراث الشعبي الذي تتراءى من خلاله الكثير من الغرائب ، لإبراز الصراع بين الخير والشر، لتكوين مسارات فنية ذات ثقافات شعبية محشوة بالحركة القادرة على تعزيز التعبيرات وتجسيدها، بل وتحويلها إلى قوة غامضة تعزز التحفيز البصري المؤدي إلى فهم التفاصيل تبعاً للنفس والفطرة الإنسانية في الاستكشاف الذي ينطوي على صعوبات ناتجة عن المخاوف من الحكايا والأساطير التي يترجمها فيستر بشكل ساذج وفطري. وتمثيل بصري تختلط فيه السلبيات والإيجابيات ، وبتناقض تصطدم معه الألوان الحارة والباردة ، وبقدرة القيمة الرمزية للحياة بعناصرها الشر والخير والحزن والسعادة ، والنكسات الأخرى بعيداً عن التشابه والتناقض وفق الاحتمالات النفسية المتكررة، التي تمنحها الأساطير والحكاية للإنسان منذ طفولته، وتؤثر على اللاوعي، وبحيوية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بعلم النفس او بخصوصية الفرد أو الرسام الذي يتخيل فطرياً تاركاً ريشته تترجم بعمق وبفلسفة الرؤى المتعددة، الصادرة من العقل الباطن . فهل من شرارة عبقرية في هذه الرسومات ؟ أم أن الجمال هو فطري في كل شيء حولنا تلتقطه الحواس وتترجمه النفس؟

 

لا تكمن المقاييس في الفن الفطري أو الفن الخارجي المتمثل باللاوعي بالبناء الفني المتكامل ، وإنما بالمنطق الجوهري للفن ودوره في تحقيق الإحاطة المجازية الخاضعة لعدة مستويات بصرية، في كل منها حكاية ينتج عنها قدرة نفسية في استخراج المعنى أو الحكمة التي يريدها الرسام ويغرزها إيحائياً في التفاصيل القادرة على أيقاظ الذكريات أو الحكاية الغافية في اللاوعي، لتكون بمثابة حالة حساسة استثنائية في تحريك المشاعر، وعوالم الرؤى بعيداً عن التعقيد والاضطراب، والتشويش لتحقيق جمالية تتزن معها الفراغات التي تفصل بين معنى ومعنى أو بين خط وخط ، لتتفوق جمالية المعنى على الرسم بحد ذاته من خلال الفن الفطري ومظاهره الغريبة جمالياً، والذي يعتمد على قوة الموضوعية . فهل من تجربة إنسانية عميقة الهدف في الفن الفطري وضمن أعمال بيرت فيستر تحديداً .

***

(*) اللوحات من مجموعة متحف فرحات

 

 

اترك رد