كنت أحد أبطال قصتي.. !

 

 بختي ضيف الله المعتزبالله

( الجزائر)

 

أبطالي:

يرافقني أبطال قصتي أينما ذهبت. يفرضون عليّ مشاهدهم المؤلمة، أن تكون أولوية الأولويات؛ فذاك الحمّال المرابط عند كبير تجّار المدينة يبدي غضبه الشديد، محتجا على شخصيته التي خرجت عن النص الروائي، وقد منحته دورا من أهم الأدوار في الحياة كلها، لكنه أبى أن يكون كذلك؛ فهو لا يريد أن يترك عربته التي يجرها وتجره؛ ولا أن تنغمس يداه في زيت المترفين1. أما تلك السيدة الطريدة بين شوارع الظلام من قبل ذئاب المدينة المتربصين، وهي تمد يديه للمحسنين لعلهم يعطونها ما تسد به رمق جوع زوجها المريض وأبنائها الصغار، تتبع بعينيها الذابلتين حروفي وكلماتي المتأرجحة، تخشى أن أرسمها رسما لا يليق بها وهي ابنة الأكرمين2، كما لم يرض صاحب الكوخ السعيد أن تكون المدينة التي هجرها أفضل من كوخه3…و..و..

أحاول تصويرها تصويرا دقيقا، في صفاتها، إن كانت هادئة أو كثيرة الانفعال، متواضعة أو متكبرة. أختار لها اسما متخيلا مناسبا كجرس تسمع رناته عند كل حركة.

رضي أبطالي بأن يكونوا داخل حيز مناسب، اخترته لهم بعناية فائقة، يتقلبون بين الأماكن والأزمنة دون ضائقة. و “ما يميز قصة عن أخرى وقاصاً عن آخر عبر المقدرة في محاولة التحكم ومدى التوفيق بقيادة الخيط الزمني الدقيق وربطه بخيط المكان في النسيج الداخلي.”4  

حبل سريالي:

عندما وقف ذاك الطبيب الديكتاتور في وجه تلك الصغيرة التي كانت تبحث عن من يداوي جراحات أمها وهي على فراش الموت،كانت لغة عينيها أكثر وضوحا وقد عجز لسانها أن يطلق فصيح الكلمات، وقفتُ حائرا كيف أساعدها؟ !. لفَّت بعينيها في كل زوايا عيادته، لم تجد غير دمية على رف خزانته، جميلة جدا ، ترتدي مئزرا أبيض ونظارة وردية.

كررتِ المشهد أمامه بكل احترافية، لكن عمى قلبه حال دون معرفة ما تريد؛ فأثارت غضبه؛ فأمر بطردها مرات عديدة، وقد لان لحالها قلبُ الدمية الطبيبة، فهربت معها. دخل الطبيب عنوة إلى منزلها، أما أنا فدخلت في حيرة من أمري؛ كيف أصنع مشهدا يليق ببنت طيبة غير قادرة عن الكلام ودمية رحيمة ؟! 5

وقفتُ كمخرج سينمائي بارع أمام سيناريو مغفل لا روح فيه؛ فجنحت إلى ما فوق الواقعية، وحاولت الوصول إلى اللاوعي، والأفكار المتناثرة الكامنة بدواخل النفس البشرية، وهذا باستخدام صور صادمة”6.

كان كل أفراد الأسرة ملتفين حول الأم الميتة، يملأ قلب الدمية الطيبة حسرة؛ لأنها لم تستطع أن تقدم لها شيئا، لكنها اتفقت والبنت وجمعتا كل الدمى وشيعوها في جنازة مهيبة، تلقفت القنوات أخبارها، بينما راح الطيب يبحث عبر سماعته عن قلبه الضائع الأعمى.

حاولت أن أكون محايدا في قصصي، لكني وجدت نفسي مجبرا على مصاحبة أبطالي، أمد إليهم يدي، لأخرجهم من وحل مشهد وقعوا فيه، عميت عنه أبصارهم، وهذا ما وجدته لدى رفقاء الكلمة؛ مهما أخفوا وجوههم عن القارئ ودسوها بين الكلمات، فإن الناقد اللبيب يتبع آثارهم، متجولين على صفحات نصوصهم.

***

*مراجع:

  1- شخصية خارج النص الروائي، المجموعة القصصية ” عطر التراب “، دار النخبة، مصر.

       2- طريدة الأوهام، المجموعة القصصية ” عطر التراب “، دار النخبة، مصر.

       3- الكوخ السعيد، المجموعة القصصية” قبيل الفجر بقليل “، الجاحظية للنشر، عنابة، الجزائر

       4- طالب عباس الظاهر، موقع ثقافات.

       5- رحمة الدمى، المجموعة القصصية” قبيل الفجر بقليل “، الجاحظية للنشر، عنابة، الجزائر

       6- أنظر مدخل إلى السينما السريالية، منير عرفان، دار عرفان للنشر.

 

اترك رد