حرب مزدوجة يواجهها القطاع السياحي في لبنان

تحقيق: أميمة شمس الدين

بعد ان كانت السياحة تشكل 25 بالمئة من الدخل القومي وعدد السياح كان يتجاوز مليوني سائح في السنة، تراجعت الأرقام بسبب الأزمة الاقتصادية والتحركات الشعبية وكورونا، الى أقل من مئة الف سائح، والنسبة أصبحت 10 بالمئة. فالسياحة في لبنان تعتبر إحدى أهم مصادر الدخل في خزينة الدولة، إذ كانت منذ القدم ولا تزال تشكل دعامة للاقتصاد الوطني، وتؤمن فرص عمل للعديد من الناس. كان ينظر إلى لبنان قبل الحرب الأهلية، على أنه “سويسرا الشرق”، وكان يستقطب رؤوس الأموال والأعمال الأجنبية والعديد من السياح الذين يرغبون بالتعرف على ثقافة سكان شرق البحر المتوسط وعاداتهم.

طبيعة لبنان وتنوعه الثقافي والتاريخي كنتيجة للحضارات المختلفة التي مرت عليه، جعلاه مقصدا بارزا للسياح الأجانب، فالبلاد تضم عددا من المعالم والنشاطات التي تهم فئات مختلفة من الناس، وهناك العديد من الآثار الإغريقية والرومانية الباقية، والحصون والقلاع العربية والبيزنطية والصليبية، الكهوف الكلسية، الكنائس والمساجد التاريخية، الشطآن الرملية والصخرية، الملاهي والمرابع الليلية، منتجعات التزلج الجبلية، بالإضافة إلى المطبخ اللبناني المشهور عالميا.

ويعتبر لبنان الدولة الوحيدة في العالم العربي التي يمكن قصدها في الشتاء لممارسة التزلج وغيره من الرياضات الشتوية.

وبعد توالي الأزمات السياسية والأمنية والمالية والصحية، بحيث لم يبق أي قطاع اقتصادي بمنأى عن الأزمة المستمرة منذ فترة طويلة، فلا يمر يوم من دون ظهور تداعيات هذه الأزمة الاقتصادية والمالية في كل نواحي الحياة. ويشكل القطاع السياحي نموذجا حيا لما تعانيه البلاد من تدهور خطير عجزت حتى الساعة كل المحاولات عن لجمه.

فقد تأثرت كل النشاطات السياحية بالأزمة الاقتصادية التي تصيب لبنان، ولا سيما بعد ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل العملة الوطنية، بينما شكل تفشي فيروس كورونا ضربة موجعة للمؤسسات السياحية على اختلافها. وعمد الكثير من المؤسسات إلى الإقفال الكلي أو الجزئي، وتسريح أعداد من الموظفين، وخفض رواتب الآخرين. وأتى انفجار مرفأ بيروت ليقضي على ما تبقى من هذا القطاع.

هي قصة صورة مشرقة للبنان الذي استطاع بملاهيه ومطاعمه وفنادقه، أن يتربع على لائحة أفضل الأماكن السياحية في العالم، ليصبح اليوم يواجه ظلمة وشبح إقفال يتهدد أكثر من نصف المؤسسات السياحية ومعها الآلاف من اليد العاملة اللبنانية.

هي حرب مزدوجة يواجهها القطاع السياحي. الحرب الأولى خارجية، عنوانها وباء كورونا، أما الحرب الثانية، فداخلية وتعددت عناوينها من التجاذب السياسي وانعكاسه على علاقات لبنان مع دول الجوار والمخاوف الأمنية المرافقة، إلى الانهيار الاقتصادي وشح السيولة والقدرة الشرائية للمواطن اللبناني.

وللاطلاع على مزيد من التفاصيل عن هذا الموضوع، كان لنا هذا الحديث مع نقيب أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسيري طوني الرامي والخبير الاقتصادي الإعلامي جوزيف فرح.

وقال الرامي: “القطاع السياحي اليوم يلتقط أنفاسه ويعيش أصعب أيامه، فمنذ صيف 2019 بدأت المشاكل الأمنية بعد حادثة قبرشمون، بعدما كنا نعول على هذا الصيف، وخصوصا ان في حزيران من العام عينه رفع الحظر عن الاخوان الخليجيين، وشهد هذا الشهر عددا كبيرا من الوافدين الخليجيين، واتت حادثة قبرشمون لضرب القطاع السياحي، ومن بعدها تداعيات احتجاجات 17 تشرين على الوضع الاقتصادي وانعكاساته على الوضع السياحي، وإقفال المصارف والوضع المالي وحجز الاموال، والتأثير السلبي لذلك على القدرة الشرائية والسيولة، وأتت الضربة الكبرى من جائحة كورونا قضت على ما تبقى من سياحة بعد اقفال البلد”.

وأشار إلى أن “نقابة اصحاب المطاعم استدركت تداعيات كورونا قبل الدولة وأقفلت القطاع قبل اربعة ايام من قرار الدولة بالاقفال، وأخيرا أتت كارثة أو زلزال انفجار مرفأ بيروت التي تسببت بضرر كبير جدا في المطاعم، إذ تضرر 2069 مطعم في بيروت وبعبدا والمتن، بالاضافة الى شبه دمار شامل في منطقة الجميزة ومار مخايل والاشرفية ووسط بيروت حيث تضرر جراء الانفجار 163 فندقا في بيروت”.

وسأل: “كيف يمكننا ان نتكلم عن السياحة وهناك أفضل عشرة فنادق في بيروت ما زالت مقفلة وليس هناك رؤية ولم يتم البدء بالترميم؟ هذا أمر خطير جدا أوتوقع ان يكون هناك إقفال تام لبعض الفنادق والمطاعم. 65 بالمئة من المطاعم ما زالت مقفلة، وخصوصا ان الامور مع شركات التأمين لم تبت حتى الآن، اذ لم تتمكن اي مؤسسة من تحصيل اي مبلغ من هذه الشركات لتتمكن من اصلاح ما دمره الانفجار”.

واعتبر ان “القطاع السياحي فقد كل مقوماته وقدرته الشرائية والسيولة بسبب حجز الاموال، بالاضافة الى العامل النفسي الذي يتأثر به الغني والفقير، ومن ناحية اخرى جائحة كورونا وتداعياتها على القطاع السياحي. هذا القطاع يعاني من الدولار السياسي الذي يتغير صعودا ونزولا. قطاع المطاعم يشتري الدولار بسعر السوق، ومن جهة اخرى لا يستطيع ان يرفع الاسعار بالنسبة عينها، إذ ما زال يعتمد سعر الدولار 3000 ليرة، ولا قدرة على الاستمرار في ظل هذا الوضع القائم”.

وأوضح ان “القطاع السياحي في حاجة اليوم الى رؤية جديدة ومخطط توجيهي وسياسة سياحية ورؤية تنشط السياحة الداخلية، والى اعتماد سياسة لزيادة الوافدين، إذ يجب اعادة النظر بأسعار بطاقات السفر، والعمل على سياحة المجموعات بأسعار مدروسة، لأن وضع الليرة يجذب السياح، شرط ألا يكون هذا على حساب المؤسسات”.

وقال: “قبل صيف 2019 كان هناك 160 الف موظف في القطاع السياحي مسجلين في الضمان و40 الف طالب وطالبة يعملون في المواسم، اليوم لم يبقى الا 80 الف موظف يعملون بشكل جزئي. القطاع السياحي يخسر بشكل مباشر 500 مليون دولار شهريا، وخسائر مرفأ بيروت بلغت حوالى مليار دولار. نحن في حاجة الى سيدر سياحي مخصص للقطاع السياحي، ولاننا عاجزون داخليا، نحن في حاجة الى مساعدات دولية لدعم هذا القطاع الحيوي الذي هو أهم ركائز الاقتصاد اللبناني، بالإضافة الى استقرار أمني وسياسي واقتصادي”.

وختم الرامي: “تقدمت النقابة إلى مجلس الوزراء بخطة إعفائية من 14 بندا، لكنها لم تنجح بسبب التجاذبات السياسية، وطالبنا بالدولار السياحي ولم نحصل عليه. نأمل من الحكومة العتيدة ان ترسم سياسة سياحية اقتصادية لاعادة النهوض بهذا القطاع، لاننا في حاجة الى تشريعات وتحفيزات جديدة لكي يعود الى سابق عهده”.

فرح

ورأى فرح أن “وضع السياحة في حال يرثى لها، وقد نعاها طوني الرامي منذ اشهر، فكيف بعد الزلزال الذي حصل في مرفأ بيروت وأدى الى تضررالكثير من المطاعم والفنادق في مار مخايل والجميزة والاشرفية ومينا الحصن وغيرها؟” وقال: “هذا القطاع بدأ يعاني منذ حوالى سنتين جراء التجاذبات السياسية التي كانت تعصف بلبنان ولا تزال، وكانت تشكل العائق الكبير لأي تطور او تقدم في القطاع السياحي. هذه التجاذبات لا يمكن ان تلتقي مع القطاعات السياحية”.

وأوضح أن “أسباب معاناة القطاع السياحي وتراجعه، هي السياسة، بالاضافة الى الاوضاع الامنية، فهناك حادثة قبر شمون في مستهل الموسم الصيفي من العام الماضي، إذ كان يأمل المعنيون بموسم مزدهر، وهناك أيضا استمرار المقاطعة الخليجية للبنان بسبب الاوضاع السياسية، وأتت جائحة كورونا التي قضت على هذا القطاع، وخصوصا أن الدولة لم تقدم أي شيء لهذا القطاع، مما أدى الى خسائر كبيرة. بعد ذلك حصل انفجار المرفأ الني تقدر خسائره بمليار دولار”.

وعن ارتفاع سعر الدولار، رأى انه “لم ينعكس على الأوضاع السياحية، إذ كانت المطاعم ملتزمة السعر الرسمي للدولار، على الرغم من ان قطاع المطاعم اعتمد على اللبنانيين الموجودين في لبنان وهم قلة، ولم يأت سياح ولبنانيون مغتربون من الخارج”.

ولفت الى ان “القطاع السياحي سريع التأثر ايجابا او سلبا، وفي حال تأليف حكومة جديدة ونالت الثقة، وكانت حكومة اختصاصيين وخصوصا في المجال السياحي، فان هذا القطاع سيتأثر سريعا إيجابا وستعود الدورة الاقتصادية في القطاع السياحي الى سابق عهدها”.

وختم فرح: “كان القطاع السياحي يدر على لبنان حوالى 8 مليارات دولار في السنة، وهذا الرقم تحقق في العام 2009 وأكثر من 9 مليار في العام 2010، وفي العام 2016 تراجع الى 5 مليار دولار، أما حاليا في ظل شح الدولار، فأصبح اقل من مليار دولار”.

***

(*)  الوكالة الوطنية للاعلام 

اترك رد