السريالية الذاتية في رسومات الفنان الأميركي ويليام روبيرت برون

 

يحتفظ الفنان الأميركي «ويليام روبيرت برون» بالمعنى السريالي في الحركة الفنية غير الواعية في تصوّراتها أو بمعنى آخر موسيقى الذات في رسومات ذات رؤى مختلفة بعيدة عن الواقع، وشبيهة بالأحلام التي تصدر عن العقل الباطن.

فالتعبيرات تختزن تلقائية تعتمد على التحرر من قيود الرسم أو الواقع الذي يتحوّل إلى عوالم تنقلب فيها الأشياء وتبتعد عن المنطق، إن باللون أو بالتعبيرات أو حتى بالأشكال ورموزها المثيرة للفهم البصري، وللعقل المتمسّك بقيوده المنطقية في تفسير الأشياء أو الأحرى فهم الرسومات ومقصدها من حيث الرفض والقبول أو المتناقضات وفق نظرية تحرير الرغبة من خلال الابتكارات ذات النسب الفنية المتوازنة العناصر أو المتباينة في الأشكال والألوان مع الاحتفاظ بالنسب بين المسافات أو الفراغات، لنشعر أن اللوحة متماسكة الأبعاد ومثيرة جماليا. فهل حاول «ويليام روبرت برون» الإمساك بأحلامه ليصوّرها سرياليا بالأسلوب الفني الذاتي البعيد عن الأنا وصراعات النفس التي تقودها الإرادة، فلا تنفلت إلا في جزئيات الألوان التي تواكب الخطوط، لتقليل من دور الوعي في تنظيم اللوحة أو الإتجاه بها نحو المقبول كي لا ترفضها الحواس وتخرج اللوحة من معايير الفن رغم أن لوحاته تتميّز بالسريالية الذاتية المشبعة بالغموض، وبخلق الأحلام التي تكشف عن المخبوء الجمالي في الفن عند فناني السريالية الذاتية وعوالمها الغرائبية أو شبه الساذجة في تطلعاتها لعالم الواقع الذي يهرب منها ويليام روبيرت برون.

 

يوظف الفنان «ويليام روبيرت برون» العامل الإستكشافي ضمن نقطة محورية يوجهها، كلغة بصرية تنتج نوعا من الإستفزازات أو التجاوزات في المنظور السريالي، وزخمه الحركي الذي يكرّسه لخدمة المعنى بتقاطع مع الألوان، والرسومات التي تمثل الواقع العشوائي للإنسان أو للأشياء والأحداث من حولنا، التي تؤثر على اللاوعي، وبتحديات كسر القيود العقلانية، كأن الريشة في حالة انفلات من واقع مرير، وتتشكل الألوان معها بشكل استقلالي عن الحواس، فتتطوّر بشكل دراماتيكي تمثيلي أحيانا، مما يخلق ثغرات تشكيلية هي جزء من الخيال الجامح حيث لا قيود للوعي، بل هو استسلام كامل للاوعي، لاستخراج كل الهواجس والأحلام والمخاوف وغير ذلك. فهل يمكن للسريالية الذاتية أن تجعل من الفن لغة ذات معايير يمكن وضعها تحت مجهر النقد وهي تجذب البصر نحوها لغرابة ما؟

 

ولد «ويليام روبرت برون» عام 1936 وقد استوحى رسوماته الى حد كبير من أحداث الخمسينات في فترة ما بعد الحرب حيث تركزت رسوماته على واقع الحداثة الذي بدأ، وقد عبّر عن التطورات في مدينة نيويورك بسريالية خرجت عن العقلانية، وإنما باتزان فكري، وكان ويليام من بين الفنانين الرئيسيين في جيل فناني هذا النوع من الرسم الذي تطوّر فيما بعد، واتخذ نهجا مغايراً عن التجريد والتعبير والانطباعية، ليجعل من البورتريه السريالي فعلا نقديا يمارسه عبر كاريكاتورية ساخرة أحيانا، وأحيانا أخرى بأسلوب هادئ يميل إلى نوع آخر من السريالية التي ترمز إلى التغيّرات السريعة في العالم والتي لا يستوعبها العقل أحيانا، كأنه يميل إلى الوحدانية أو الثبات ورفض تغيّرات الحداثة والحروب، والبحث عن الإنسانية والبُعد عن منطق الأشياء، وتفسيراتها ليجعل من رسوماته السريالية نصا بصريا لمعاني مخفيه هدفها إظهار جمالية الفن التشكيلي في البورتريه السريالي، واستخراج موسيقى الذات بصخب لوني هو نغمات أو ضربات إيقاعية لشكل من الأشكال يترجمه مجازيا بالفن السريالي. فهل يمكن القول: الجنون فنون؟

dohamol@hotmail.com

***

(*) جريدة اللواء  9- تشرين الأول 2020

(*) اللوحات من مجموعة متحف فرحات

 

 

 

 

 

 

 

 

اترك رد