دُرُوبٌ إِلى الشَّوق!        

ساحِرٌ حُسنُكِ، شَلَّالُ طُيُوبِ،              وأَنا أَسكَرُ بِالسِّحرِ السَّكِيبِ

تَكتُبِينَ الشِّعرَ بِاللَّحْظِ غِوًى،                رِيشَةَ الأَلحاظِ زِيدِي مِن لَهِيبِي

إِنْ أَرَدتِ الوُدَّ حِضْنِي مُثقَلٌ،            بِحَنانِي العَذْبِ، والوَجْدِ الشَّبُوبِ(1)

وأَنا أَرقُبُ مَلقاكِ فَلا                       تُبْطِئِي، ظَنًّا، إِلى قَلبِي الكَئِيبِ

وانهَبِي الدَّربَ إِلى صَومَعَةٍ،               في زَواياها مُنَى العِشقِ الخَصِيبِ

يَنتَشِي في أَعرُقِي الدَّفْقُ إِذا،               في لَظَى الأَشواقِ شِئْتِ أَنْ تَذُوبِي

أَنا يُغوِينِي الهَوَى في أَعْيُنٍ                 مِلؤُها السِّحْرُ، وفي نَهْدٍ رَطِيبِ…

وإِذا غَنَّى الصِّبا، في مُقلَةٍ،                 جُنَّ بِالتَّذكارِ والنّجوَى مَشِيبِي

فَازرَعِي التَّحنانَ في جِنْحِي(2)، وَمِنْ             نَهَمِي عُبِّي، ومِن فَوْرَةِ طِيبِي

ذَبُلَ العُمرُ، فَهَيَّا لِلرِّوَى،                     قَبلَ أَن يَقرَعَ ناقُوسُ المَغِيبِ

وَاجرَعِي الكَأْسَ عَلَى شَوقِ الصِّبَا،          وَلَظَى الحُبِّ، وَهَمْسَاتِ النَّسِيبِ

لا يَطِيبُ العَيشُ إِلَّا هَانِئًا،                 عِندَ ثَغرِ الكَأْسِ، أَو ثَغرِ الحَبِيبِ

وذُنُوبُ الحُبِّ في أَحلَى الجَنَى،            هي، في المِيزانِ، لَيسَت بِالذُّنُوبِ!

***

مُنيَةَ القَلبِ أَنا جُلجُلَتِي                     فائِرُ الحُسنِ، وفي الغِيْدِ صَلِيبِي

فَارتَمِي في كَنَفِي مُشتاقَةً                  يَنبُتُ الأَخضَرُ في قَفرِي الجَدِيبِ

ويَهِيمُ الطِّيْبُ مَسحُورًا، وفي                 مَخْدَعِي المَهجُورِ، مَجنُونَ الهُبُوبِ

وإِذا الشِّعرُ رَبِيعٌ فائِحٌ،                     وإِذا الأَوراقُ نَفْحاتُ طُيُوبِ

نَهِمٌ شَوقِي لِأَطيابِ الهَوَى                  فَاملَئِي، مِنْ كَرْمَةِ الأَطْيَابِ، كُوْبِي

يُزهِرٌ العُرْيُ بِأَغصانِ المُنَى،                ساحِرَ الوَشْيِ بِأَلوانِ الغُرُوبِ!

***

هَل لِعُمْرٍ فاتَ مِنْ رُجْعَى، وَهَل              مِنْ نُضُورٍ بَعدَ أَلوانِ الشُّحُوبِ؟!

رُبَّ أَيَّامٍ نَأَت عُدْتُ بِها،              في حِمَى الذِّكرَى، وفي حُمَّى الوَجِيبِ(3)

فَحَمِدتُ الدَّهرَ، في إِرجاعِهِ(4)                 ذلكَ العَهْدَ، مع الذُّخْرِ العَجِيبِ

صُوَرًا مِنْ مَيْعَةِ الماضِي، وَمِنْ              شَغَفٍ في زَمَنٍ غَضٍّ قَشِيبِ(5)

فَأَنا حِينًا جَوٍ(6) في وَحشَتِي،                  ثُمَّ شادٍ بِلَهاةِ(7) العَندَلِيبِ

يا خَرِيفَ العُمرِ هَل مِنْ صَبْوَةٍ             لِضُلُوعٍ ضامَها فَرْطُ النُّضُوبِ

تُنعِشُ الخامِدَ في قَلبِي الصَّدِي(8)،           وَتَبُثُّ الشَّوقَ دِفئًا في دُرُوبِي؟!

***

 

(1): الشَّبُوب: ما تُوقَدُ به النَّارُ / ما يُحَسِّنُ الشَّيءَ ويُظهِرُ جَمالَهُ

(2): الجِنْح: النَّاحِيَة / الكَنَفُ

(3): الوَجِيب: صَوتُ خَفَقانِ القَلبِ بِاضطِرابٍ ورَجْفَة

(4): إِرجاع: مَصدَرُ أَرجَعَ / إِرجاعُ الأَمانَةِ إِلى أَهلِها: إِعادَتُهَا

(5): القَشيبُ: الجَدِيد / النَّظِيف

(6): جَوٍ: مَنِ اشتَدَّ عِشقُهُ فَأَوْرَثَهُ الحُزْنَ

(7): اللَّهاةُ مِنْ كُلِّ ذِي حَلْقٍ: اللَّحْمَةُ المُشْرِفَةُ على الحَلْقِ

(8): الصَّدِيّ: الَّذي يَنتابُهُ عَطَشٌ شَدِيد

اترك رد