تحقيق ندى قزح
ربما يكون الألم من أكثر المشاعر التي تقلق الإنسان، إن كان الألم الجسدي أو النفسي. فالإنسان بطبيعته يحب الحياة والفرح لا الألم والعذاب، لذلك يلجأ دوما بالفطرة إلى التخفيف عن آلامه بشتى الوسائل الطبيعية، أم أي دواء يصفه له الطبيب.
تنتاب اللبناني في الأيام الأخيرة حال من الهلع والاضطراب بسبب أزمة الدواء وإمكان رفع الدعم عنه. فمنهم من أسرع إلى تأمين مؤونة أشهر عدة خوفا من فقدانها، ومنهم من يسعى جاهدا لتوفير المال وشراء أدويته بخاصة من يعاني من أمراض مزمنة ومستعصية.
لم يبق له إلا الدواء ليخفف عنه الأوجاع المنظورة وربما كثر يعانون أوجاعا غير منظورة ولكن لا أحد يدري بها إلا القلب.
أزمة جديدة تواجهنا وتقلقنا، وكأنه لا يكفينا ما نواجه من صعوبات جمة من كل صوب، وحتى تأمين الدواء وسعره أصبحا في طليعة همومنا اليومية، أما الفقراء فيواجهون الألم ويتحملونه لتوفير المال لإطعام أطفالهم.
أين هي العدالة البشرية؟ متى ينتهي هذا النفق المظلم؟ ومن يطبب آلام الشعب التي طاولت النفس والجسد في آن؟
جبارة
توضيحا لقضية الأدوية ورفع الدعم عنها، التقت “الوكالة الوطنية للإعلام” نقيب مستوردي الأدوية في لبنان كريم جبارة الذي قال: “نحن لسنا في وارد رفع الدعم نهائيا، الاتجاه الأكبر برأيي هو تخفيف الدعم تقابله خطة بديلة تحمي المواطن والجهات الضامنة والنظام الصحي في لبنان. وقد بنيت هذا الرأي نتيجة الإتصالات التي قمت بها إن مع رئاسة الجمهورية وبخاصة مستشار الرئيس الدكتور وليد خوري، إن مع رئاسة مجلس الوزراء ممثلة بالدكتورة بترا خوري، ووزير الصحة شخصيا ومستشاريه ومصرف لبنان أيضا. لذلك وجب طمأنة المواطنين لضبط حال الخوف والهلع التي أصابت تحديدا من يعانون أمراضا مزمنة ومستعصية كالسرطان والألزهايمر والبركنسن وغيرها، الذين تهافتوا لتخزين الدواء لأشهر عدة مع انتشار خبر رفع الدعم”.
خطوات إيجابية
وطمأن جبارة في حديثه إلى أن “لا تغيير سريعا في أسس الدعم، فما يزال أمامنا الوقت لدرس الخطة البديلة التي هي قيد البحث، ولكي تتم الموافقة عليها من أجل تطبيقها. وقد سمعنا أخيرا عن أوساط حاكمية مصرف لبنان أنه باق على الدعم ومن الممكن تغيير الآلية، ووضع خطة بديلة تحمي القطاع الصحي في لبنان. وأكد ذلك أيضا وزير الصحة حمد حسن خلال اجتماع طارئ عقد مطلع هذا الأسبوع في وزارة الصحة للبحث في أزمة الدواء، أن رفع الدعم لن يحصل والقوى السياسية والعاملة لن تقبل بالأمر، لأن أحدا لا يحتمل رفع الدعم ومن واجباتنا كمسؤولين في الدولة اللبنانية، أن نطمئن الشعب أننا لن نتركهم من دون خطة بديلة ، ومن حق كل مريض أن يحصل على دوائه”.
وتابع: “إن اللجان تجتمع بشكل مكثف أسبوعيا لتخرج عنها توصيات التي قد تولد في هذين الأسبوعين، وآمل أن نصل إلى نتيجة عادلة تحمي النظام الصحي في لبنان والتنوع في الأدوية الموجودة وجودتها، وألا ننتقل إلى دواء أقل جودة من أجل خفض الأسعار، وأن تحمي أيضا مخزون العملات الأجنبية في مصرف لبنان”.
أضاف: “إن حال الهلع عند الناس بدأت منذ شهر تقريبا ولا بد لها أن تتوقف الآن. نحن نسلم الصيدليات حاجتها الشهرية، ففي كل شهر نستلم شحنة أدوية ونغذي السوق منها ويدخل البديل عنها إلى المستودعات. ولكن المشكلة هي أننا إذا صرفنا من المخزون الذي تم تخزينه لشهرين سنصل إلى حاة إنقطاع للأدوية، وذلك سببه تهافت المواطنين إلى الصيدليات وتخزين الدواء لثلاثة أشهر أو أكثر. لذلك تبقى أفضل الحلول في هذه المرحلة التقنين في تسليم الأدوية بطلب من وزارة الصحة وتنسيق بين النقابات الثلاث، نقابة مستوردي الأدوية والصيادلة والأطباء على أن يصف الطبيب الدواء للمريض لفترة شهر واحد فقط. وبالنسبة إلى إحصائيات البيع في قطاع الأدوية، في الفترة الأخيرة شهدنا طلبا كبيرا على أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية. أما أدوية الأمراض الجلدية فقد انخفضت بنسبة 17% وأدوية السعال والمغص والأمراض النسائية على انخفاض بنسبة 10 إلى 15 % ويعود ذلك إلى الوضع الإقتصادي المتردي، فطالما أن مصرف لبنان يدعم الأدوية على سعر صرف الدولار 1515 ليرة لبنانية، لن يتأثر مهما ارتفع الدولار إلا إذا قرر تغيير سعر الصرف الذي يتم الدعم على أساسه”,
صعوبة استيراد الأدوية وتهريبها
تكمن هذه الصعوبة في عوامل عدة كما أوضح جبارة وهي: “ان فريق العمل في مصرف لبنان عدده محدود ولم يكن هو من يهتم بمسألة التحويلات بل المصارف التجارية، فالعدد لا يكفي ليشرف وحده على القطاعات المتعددة من طحين ودواء ومشتقات نفطية وسلة غذائية، لذلك حصل هذا التأخير والسبب إداري غير مقصود”.
وعن تهريب الأدوية إلى مصر وما أظهره تحقيق بيان قوى الأمن الداخلي، أشار إلى “أن هؤلاء يعرفون ب”تجار الشنطة” وهم اعترفوا أنهم قاموا بتجميع الأدوية من صيدليات عدة من أجل بيعها، وما حصل ليس تهريبا منظما من خلال شحنات كبيرة إن في البر أو البحر أو الجو. لذلك ندعو كل المعابر الشرعية إلى المراقبة والتشديد الهائل وعدم السماح لأي مسافر بأخذ دواء إلا لشهر واحد. وأتمنى على الأجهزة الأمنية إبلاغ جميع المسافرين بالتدابير التي ستتخذ في حق من يهرب الأدوية، وألا تتم مصادرتها فقط بل أن يدفع المهرب ثمنها بالدولار وترد الأموال إلى مصرف لبنان لتصرف في دعم أدوية بديلة. أما بالنسبة إلى عملية التهريب إلى سوريا وليبيا والعراق التي ظهرت مؤخرًا، نترك للجهات المعنية التحقيق في هذا الموضوع وتحديد المسؤولية ورفع الغطاء عن أي صيدلي أو وكيل يخالف في قضية التهريب أو التخزين.”
وعن الأدوية الإيرانية، كشف “أن الشركة التي تستورد من إيران غير تابعة للنقابة ولست على اطلاع مباشر بهذا الموضوع، ولكننا لسنا ضد أي منتج أو دواء يدخل لبنان من أي بلد كان شرط أن يخضع لمعايير وزارة الصحة وقوانينها”.
لقاح الإنفلونزا وأنواعه
في لبنان ثلاث وكلاء يستوردون لقاح الإنفلونزا، وإذا أردنا المقارنة بين الكمية المستوردة في السنة الماضية من اللقاح وهذه السنة، أوضح جبارة: “نجد أن النسبة هائلة إذ تم استيراد أقل من 200 ألف لقاح بينما توازي الطلبية لهذه السنة نحو 500 ألف، على أمل أن نستلمها كلها في القريب العاجل. لقد تأخر وصولها بسبب الطلب الكثيف عالميا، وقد وصلت الشحنة الأولى في مطلع شهر تشرين الأول وبلغ عددها 85 ألف لقاح (INFLUVAC) من النوع الثلاثي فاحتفظت وزارة الصحة بقسم منه للحالات الطارئة، وسلمت القسم الأكبر على أن يتم توزيعها من قبل الوكيل بعدل على الصيدليات كافة بحسب الآلية المطلوبة من الوزارة، وهي أن تعطى الأولوية لذوي الأمراض المزمنة والمستعصية والمسنين والأطفال والحوامل. ونحن ننتظر اللقاح الرباعي التكافؤ (VAXIGRIP TETRA) في الأسبوع الثالث من الشهر الحالي. والشركة التي استوردت لقاح (INFLUVAC) الثلاثي التكافؤ، طلبت الرباعي منه (INFLUVAC TETRA) الذي يصل لبنان في أوائل شهر تشرين الثاني المقبل بكمية كبيرة ويشمل أيضا مثل الـ (VAXIGRIP TETRA) أخطر أربعة أنواع من فيروس الإنفلونزا”.
وتابع: “من المعروف أن لقاح الإنفلونزا يعطى في أوائل شهر تشرين الأول وإذا تأخر هذه السنة لظروف استثنائية، ذلك لا يعني أن الزمن قد فات ويبقى أخذ الجرعة أفضل من عدمها. لقد تم استيراد نحو 500 ألف لقاح لهذه السنة ضمن جهود كبيرة وجبارة من قبل وزارة الصحة والمستوردين، بخاصة أن لبنان ليس له الأولوية على خريطة العالم”.
وختم داعيا المواطنين إلى التحلي بروح الإيجابية، “فهناك الكثير من الجهود للنهوض بالبلد مجددا”، وتمنى عليهم “عدم فقدان الثقة بالدولة ومؤسساتها لأن لبنان لن يترك لمصيره، فلنتحد من أجل البنيان”.
تبقى الثقة الحجر الأساس في بناء كل علاقة بشرية، وبالثقة أيضا تبنى الأوطان وتتأصل أواصرها بين الشعوب وقادتها. قد تفقد الثقة أحيانا وينهار معها الأمان والسلام، ولكن لا بد من وجود أياد بيض تزرع الأمل وتبني من جديد. لا بد من قلوب بيضاء تثق بصمود لبنان وقوته وتؤمن أنه سيخرج من هذا النفق المظلم معافى منتصرا وممجدا.
***
(*) الوكالة الوطنية للاعلام