العنبر كنز علمي إنساني موجود في 20 موقعًا في عكار

 

تحقيق ميشال حلاق

العنبر اللبناني بما يختزنه من معطيات ومعلومات عن التكون التاريخي العام للكائنات الحية على الارض منذ ملايين السنين، من شأنه ان يشكل اضافة علمية وانسانية على مستوى العالم ككل، وتحتل عكار حيزا واعدا في هذا المجال مع تسجيل مكتشفات لموافع جديدة للعنبر وأنواع مهمة من حيث مخزونها لبعض الكائنات الحية القديمة جدا في هذه المنطقة الغنية بثرواتها الطبيعية.

ففي الطبقات الصخرية التي تعود إلى العصر الطبشوري السفلي وأجزاء من الطبقات العليا للعصر الجيراسي، تم اكتشاف العنبر العكاري في مواقع تجاوز عددها الـ 20، فبين الطبقات الرملية دفنت اخشاب غابات منذ ملايين السنين لتتحول الى فحم حجري وتحول الصمغ الموجود بداخلها إلى مادة الكهرمان العنبري بفعل الضغط المتراكم فوقه، ومعظم هذه المواقع العكارية تتموضع على ارتفاع 1000 متر عن سطح البحر وبخاصة في المرتفعات.

وتمكنت مجموعة “درب عكار” بالتعاون مع البروفسور داني عازار من توثيق مواقع جديدة، ابرزها تلك التي اكتشف فيها اول موقع يحتوي العنبر الذي يختزن بداخله حشرات يتخطى عمرها الـ 100 مليون عام، وهذه الحشرات التي يبلغ عددها خمسة لا تزال في مرحلة الدراسة واعادة التجميع، نظرا لهشاشة المادة التي كانت تحفظها.

وهذا الاكتشاف المثير، لا بد أن يفتح المجال أمام المزيد من الدراسات ويبرز الجانب الغني لعكار في شتى الميداين.

عازار

وشرح البروفسور عازار مكانة لبنان الخاصة بالنسبة للعنبر، فقال: “اكتشفنا في لبنان نحو 450 موقعا للعنبر من العصر الطبشوري السفلي، بعمر 130 مليون عام تقريبا، ومن الـ 450 موقع المذكورة آنفا، هناك 25 موقعا تقدم عنبرا اختزن بداخله حشرات متحجرة، وللحياة التي انحفظت بداخلها كالعناكب وغيرها أيضا”.

وأشار عازار الى أن “العنبر الذي تم العثور عليه في لبنان اقدم من عنبر العصر الطبشوري السفلي، العصر الجوراسي 150 مليون عام تقريبا، وهذا العنبر لم يعثر بداخله على حشرات، والأبحاث متقدمة تنبىء باكتشافات جديدة”.

ويلحظ “أهمية العنبر اللبناني في العصر الطبشوري السفلي لكونه اقدم عنبر في العالم بالنظر لما يختزنه من كميات غير قليلة من الحشرات المتحجرة، وهذا يساعد الباحثين والدارسين على فهم التطورات التي حصلت على الارض. لأن هذا العصر تحديدا هو العصر الذي ظهرت فيه النباتات المزهرة او الكأسيات، فإذا أردنا دراسة البيئة الحالية نجد أن 75 في المئة من النباتات مزهرة يجب العودة الى اصولها التي تكونت في العصر الطبشوري السفلي، الفترة التي تكون فيها العنبر اللبناني”.

اضاف: “اللافت ان ما من عنبر في العالم يعود لهذا العصر وحافظ للكائنات الحية، وهذا يسمح لنا بفهم التطور الحاصل، لانه في هذه الفترة عدد كبير من عائلات الكائنات الحية يختفي، مع اختفاء بيئتها القديمة، ونشوء بيئة جديدة، مع النبات المزهر، عائلات تختفي وعائلات جديدة تظهر، وهي نقطة مفصلية لفهم التطور الذي حصل على الكرة الارضية في هذه الحقبة. الثابت انه لم يعثر في العالم على كائنات حية متحجرة تعود لهذه الفترة تحديدا الا في لبنان، ولا أدري ما اذا كان ذلك نعمة أو نقمة حقيقة، لأننا بكل أسف، لا ندرك أهمية المحافظة على هذا الارث الغني وهذا الكنز العلمي بهذا الحجم، ولو أن هذا الكنز بهذا الحجم موجود في أي مكان في العالم لكانت مجريات البحث تتقدم بسرعة أكبر وتقدم معطيات علمية ذات قيمة معرفية عالية لتكوين الكون. في لبنان كما ذكرت انفا 450 موقعا للعنبر ومجموع الاراضي المحتمل وجود العنبر فيها تشكل 10 بالمئة من الاراضي اللبنانية”.

ووجه تحية للسيدة فيروز التي تغنت بلبنان وبجبال العنبر، وقال: “معها حق مئة بالمئة، ولو ان ما هو موجود في لبنان موجود في أي دولة بالعالم لكانوا أنشأوا المتاحف العلمية له وحفظوا هذا الكنز العلمي الذي لا يقدر بثمن”.

وختم: اقول لبعض المستهترين إن لا قيمة مادية للعنبر المعرض للتفتت ولا يمكن إدخاله في صناعة المجوهرات، إلا أنه كنز علمي كبير بإمكانه أن يقدم صورة عن التطور الحاصل على الكرة الارضية”.

***

(*) الوكالة الوطنية للاعلام

اترك رد