صَرخَةُ شَهِيد!  

 

 

(بِتارِيخِ 4/ 8/ 2020، دَوَّى انفِجارٌ هائِلٌ في مَرفَأ بَيرُوتَ فاقَت حَصِيلَتُهُ المِئَتَي شَهِيدٍ وآلافَ الجَرْحَى ومِئَاتِ آلافِ البُيُوتِ المُدَمَّرَةِ والمُصَدَّعَة)

 

بَيرُوتُ ما لَكِ… كَفكِفِي الدَّمَعاتِ، بَغْيُ العُتاةِ، وعَسْفُهُم، لِمَواتِ

قَصَفُوا وُرُودَكِ، ثُمَّ، في نُكرانِهِم، حَزُّوا اليُنُوعَ بِمُشرِقِ البَتَلاتِ

زَرَعُوكِ بِالبارُودِ، لَم يَأْبَهْ بِهِم شَرَفُ الوَفاءِ لِأَنضَرِ القَصَباتِ

بَيرُوتُ… أَينَ وُعُودُهُم يَتلُونَها، مَدَّ العُهُودِ، كَخالِصِ الصَّلَواتِ؟!

ساقُوا القَطِيعَ إِلى المَعِينِ، فَلَم يَكُنْ إِلاَّ سُمُومًا في سَدَى القَطَراتِ

ما هكذا أَوصَى المَسِيحُ، ولا قَضَى حِلْمُ النَّبِيِّ بِأَنبَلِ الدَّعَواتِ

عَكَفَ الهِلالُ على الصَّلِيبِ مُعانِقًا، وَحَنا على الإِصْحاحِ بِالآياتِ

تَبًّا لِمَنْ صَلَبُوا المَراحِمَ بِاسْمِنا، فَمَصِيرُهُمْ فِي أَسْفَلِ الدَّرَكاتِ!

***

قالُوا: الشَّهِيدُ! وَرَدَّدَت أَشداقُهُم، لَحْنَ الحِمامِ، بِخادِعِ الآهاتِ

أَينَ الشَّهادَةُ يا سُفالَةَ عَصْرِنا؟! بِتْنا كَنَسْيِ الأَرضِ في الفَلَواتِ

بَيرُوتُ… إِنِّي قَد قَضَيْتُ فَهَل وَعَتْ أُذْنُ الضَّمِيرِ، مِنَ الثَّرَى صَرَخاتِي

قالُوا: الشَّهِيدُ! وأَكثَرُوا مِنْ مَكْرِهِم. عِندَ الشَّهادَةِ هل يَضِيرُ مَماتِي؟!

ما ضَرَّهُم أَنْ قَد تَرَكتُ أَحِبَّةً، يَرنُونَ في عُرْيٍ وفي عَبَراتِ

هذِي حِجارَةُ بَيتِنا قد زُلزِلَت، فَهَوَت على رَأسِي وكُلِّ جِهاتِي

بَيرُوتُ… إِنِّي عائِدٌ بِخَيالِ مَنْ رَفَعُوا اللِّواءَ لِسامِقِ الشَّعَفاتِ

أَنا في الضَّمائِرِ وَخْزَةٌ لا تَنثَنِي تَدعُو الرِّفاقَ لِماجِدِ الوَثَباتِ

بَيرُوتُ… مَنْ جارُوا على واحاتِهِ سَيَعُودُ يَجأَرُ داوِيَ الهَتَفاتِ

أَنا في سُوَيداهُم أَعُودُ مُجَلَّلاً بِسَنا الحَياةِ، مُطَلِّقًا حَسَراتِي

بَيرُوتُ… إِنِّي عائِدٌ، هَيَّا امسَحِي دَمْعِي وما بَذَرَ الأَسَى بِسِماتِي

أَنا في رُكامِكِ، يا حَبِيبَةُ، خاشِعٌ، أَتلُو، مع الأَمَلِ النَّدِيِّ، صَلاتِي

وأَنا الصَّرِيعُ، أَلاَ انظُرِينِي دامِيًا، بَينَ الحُطامِ، مُكَتَّمَ الخَفَقاتِ

فَخُذِي دِمائِي، وانثُرِيها، تَرتَفِعْ، فَوقَ اليَبابِ، نَضِيرَةً، زَهَراتِي

قَد كُنتُ فِيكِ مُدَلَّلًا، مُتَباهِيًا، عَفَّ البَنانِ، مُنَزَّهَ القَسَماتِ

فَأَتَوْا، نَذِيرُ المَوتِ في خَطَواتِهِم، قَضُّوا الدِّيارَ، وكَتَّمُوا خَطَواتِي

أَنا لَنْ أَغِيبَ، أَنا بِناظِرِ طِفلَتِي وصَغِيرِيَ المَلهُوفِ مِ الغَدَراتِ

أَنا في ضَياعِ مُشَرَّدٍ مُتَسائِلٍ عَمَّا يُخَبِّئُ في حَشاهُ الآتِي

«يُوضاسُ» قَد غَدَرَ الإِلَهَ بِقُبلَةٍ، وقَضَى بِفِعلَتِهِ مع الحُرُقاتِ

وأَنا أَتانِي في الظَّلامِ «يُوضاسُهُم»، فَقَضَيتُ في فَيْضٍ مِنَ القُبُلاتِ

أَنا لا يُلَطِّخُنِي سَوادُ فِعالِهِم، فَلْيَهْنَأُوا بِمُلَطَّخِ الثَّرَواتِ!

 ***

بَيرُوتُ… ما عاثُوا إِلى دِمَنِ الثَّرَى، ويَظَلُّ وَجهُكِ حامِلًا بَسَماتِي

أَنا مِنْ أَدِيمِكِ عِطْرُهُ، ومَلابُهُ، وأَقاحُهُ الزَّاهِي على الرَّبَواتِ

كَم في تُرابِكِ قَد زَرَعنا حُبَّنا، في الذِّكرَياتِ، شَجِيَّةٍ عَطِراتِ

مِتْنا… ويَبقَى لِلفَخارِ أَعِزَّةٌ، لا يَرهَبُونَ شَدائِدَ الغَمَراتِ

بِنَجِيعِهِم يَسرِي الإِبا، وقُلُوبُهُم لِفِداكِ مُلقاةٌ على الرَّاحاتِ

هي وِقْفَةٌ لِلعِزِّ، يا بَيرُوتَنا، نَزهُو بِها حَتَّى مع الطَّعَناتِ

يا وَردَةَ التَّارِيخِ لَنْ يَبقَى لِمَنْ خَدَشُوا رُواءَكِ بَعْدُ مِنْ سَكَراتِ

سَكِرُوا على الأَشلاءِ لكِنْ قَد أَتَى زَمَنُ الحِسابِ لِكُلِّ فَظٍّ عاتِي

فَالسَّيْلُ قَد بَلَغَ الزُّبَى، وهَناؤُهُم عُمْرٌ يُقاسُ بِأَقصَرِ الأَوقاتِ

هَيَّا ادفَعِي بِالزَّنْدِ طُغْمَتَهُم ولا تَتَوَرَّعِي عَنْ وَأْدِهِم بِثَباتِ

نَكَثُوا الذِّمامَ فَحَقَّ أَنْ يُؤْتَى بِهِم لِلقْسْطِ بَينَ تَدافُعِ الشَّفَراتِ

والعَدْلُ حَزْمٌ لا يَرِقُّ لِمُجرِمٍ، هَدَّ البِلادَ بِأَسوَأِ النَّكَباتِ

بَيرُوتُ… يا ذُخْرَ الدُّهُورِ، أَلَا انهَضِي، كَالصُّبْحِ يَدْحَرُ حالِكَ الظُّلُماتِ

يا طائِرَ الفَينِيقِ قُمْ، وَطَأِ الرَّدَى، ذَرِّ الرَّمادَ، وبَدِّدِ العَثَراتِ!

اترك رد