كيف نحمي أطفالنا من الفيروس والعام الدراسي على الأبواب؟

 

  تحقيق ندى القزح

 

أولادنا هم ربيع الحياة وعطرها، يلونون أيامنا بابتسامتهم البريئة وأحلامهم البسيطة. ضحكتهم تخطفنا إلى عالمهم الوردي المليء بالبساطة والحب، حيث ننسى همومنا وتعبنا فتشرق الشمس من جديد لو مهما كانت سماؤنا ملبدة بالغيوم.
كيف لا، وهم أغلى كنوز هذه الدنيا ونعمها، ومعهم نلمس أرقى مشاعر الإنسانية وأعظمها.
كيف لا ونحن نناديهم بأغلى ما نملك على هذه الأرض: “يا روحي…يا قلبي ويا فلذة كبدي…”

أولادنا الذين نناضل من أجلهم هم سبب قلقنا اليوم وموضوع دعائنا وصلاتنا، ليحفظهم الله سالمين من كل المخاطر التي تحيط بنا في وطننا الحبيب لبنان. فبين تفشي فيروس الكورونا والوضع الأمني والأزمة الاقتصادية والمستقبل المجهول الذي ينتظرنا، من الطبيعي أن تكثر التساؤلات ويبحث كل أب وأم عن أجوبة تضمن حماية أولادهم وتشعرهم بالراحة والأمان.

جرباقة

في هذا السياق، كان لنا حديث مع رئيس اللجنة العلمية في نقابة الأطباء ورئيس دائرة طب الأطفال في كلية الطب في الجامعة اليسوعية الدكتور برنار جرباقة، فشرح تأثير كورونا على الأطفال وما نعاني منه اليوم في مجتمعنا، نتيجة الكورونا على الأطفال ونتيجة الخوف منها على أولادنا.

كورونا والأطفال

ميز جرباقة في الشرائح العمرية بين الحديثي الولادة ومرحلة المراهقة، “فالأطفال يحملون كمية الفيروس أقل من الكبار وتتم العدوى إليهم بشكل خفيف، ومشاكلها محدودة مع الشريحة العمرية. وهذا لا ينطبق على المراهقين المعرضين للمشاكل الصحية التي نلاحظها عند البالغين، أي إذا كانوا يعانون من الوزن الزائد ومشاكل رئوية أو غيرها، قد يتعرضون لمضاعفات عديدة خطيرة في حال إصابتهم بالفيروس، علما أن الأطفال الذين يعانون من مشاكل صحية كضعف في المناعة أو مشاكل في القلب وفي الرئتين هم أيضا معرضون لمخاطر الكورونا تماما مثل البالغين”.

وعن أسباب عدم إصابة الاطفال بنسبة كبيرة بفيروس الكورونا أوضح أن “الطفل محمي إجمالا لانه يتعرض لأنواع عديدة من الفيروس، إن في دور الحضانة أو في المدرسة. وذلك يساعد على كسب مناعة ذاتية تقوي جهاز الدفاع في جسمه الذي ينمو ويتطور مع كل فيروس يصاب به، لذلك يتجاوب جهاز المناعة عند الاطفال أفضل بكثير من البالغين . قد يصاب الطفل ويشفى منه من دون ظهور أي عوارض عليه، ونلاحظ أن نسبة الوفيات والدخول الى غرفة الإنعاش والأعراض المرضية قليلة في هذه الفئة العمرية عالميا وفي لبنان”.

وأضاف :”إن عوارض الكورونا عند الأطفال إجمالا هي الإسهال والحرارة والألم في الحنجرة والعضل وتشنج في الجسم وحاجة إلى النوم والراحة . ليس له علاج محدد ويشفى الطفل منه تلقائيا بعد أيام. لذلك أنصح الأهل بعدم إرسال ولدهم إلى الحضانة أو المدرسة، إذا كان يعاني من الحرارة وإن لم تكن مرتفعة لأنه قد ينقل العدوى إلى غيره، بل مراقبته في المنزل حتى يشفى تماما. فالطفل المصاب بالكورونا بحاجة إلى العناية والخدمة، وهنا تكمن الصعوبة في تأمين شخص من أفراد العائلة لمتابعته، لأن الأب والأم مضطران للذهاب إلى العمل لتأمين لقمة العيش وتحديدا في هذه الأيام الصعبة والخوف كبير على الجد والجدة من نقل العدوى إليهما من الطفل المصاب”.

وحذر من الحملات الإنتخابية السياسية والتمييز بينهما وبين الواقع العلمي الطبي، “لأن الوعود كثيرة باكتشاف اللقاح المناسب ولكننا كجسم طبي ننتظر المعلومات الطبية المثبتة النهائية وليس حملة البلاد ضد بعضها والتسابق في ما بينها، لأن الاستثمار المالي في موضوع اللقاح هائل وقد أصبح في مراحل متقدمة من حيث التجارب العلمية وفعاليته. وقد طلبت وزارة الصحة العامة عددا لا بأس به من اللقاحات حين يصبح متوفرا في الأسواق العالمية ليتمكن لبنان من نيل حصته منه”.

الخوف من كورونا ونتائجه

في هذا الإطار، شدد جرباقة على “أهمية المشاكل الناتجة بسبب الخوف من الكورونا، فالمشاكل العضوية التي نعاينها مرتبطة بالأهل وخوفهم من زيارة الطبيب مما يؤخر برنامج اللقاحات. وما يواجهنا اليوم هو أن بعض الأطفال يصابون بأمراض جرثومية كان ممكن تفاديها بسبب اللقاح والتي تؤدي أحيانا إلى الوفاة وفي بعض الحالات، يحاول الأهل مداواة طفلهم في المنزل من دون اللجوء إلى الطبيب، مما يؤخر الاستشارة الطبية إلى مرحلة متأخرة ويكون المرض قد تفاقم ويستدعي دخول المستشفى”.

وقال:”إن الجمعية اللبنانية لطب الأطفال في بيروت والشمال، أصدرت توجيهات للأطباء لتكييف مكان العمل بطريقة تتلاءم مع الحماية الذاتية للطبيب والمرضى، وذلك من خلال أخذ المواعيد وتوزيعها بحسب حالات الأطفال وعدم مخالطتهم ببعض، وتعقيم العيادة بشكل دوري ومرافقة الطفل من قبل شخص واحد لزيارة الطبيب واتخاذ سبل الوقاية اللازمة. لذلك أدعو الأهل إلى عدم الخوف واللجوء إلى الطبيب حين تستدعي حالة ولدهم إلى الاستشارة وعدم التأخير في برنامج اللقاحات، وإن كان ذلك بسبب الضائقة الإقتصادية فالمساعدات والخدمات عديدة في هذا المجال في كل المناطق اللبنانية. وباستطاعة الأهل أن يتوجهوا إلى المراكز الصحية والمستوصفات الخاصة بوزارة الصحة ووزارة الشؤون الإجتماعية ليقوموا باللقاحات الأساسية الضرورية لأولادهم”.

وتابع: “نحن في الجامعة اليسوعية في كلية الطب استثمرنا الفكر اليسوعي بمساعدة المجتمع في مجالات عدة، فشاركنا في حملات مجانية للتلقيح بالتنسيق مع وزارة الصحة. وقمنا باتفاق شراكة مع المراكز الصحية الأولية التي تقدم خدمات مجانية للمواطنين، وسعينا كثيرا مع أطباء متمرنين وتلاميذ من جامعتنا لتأمين خدمات مجانية من خلال حملات تلقيح وكشف مبكر للأطفال ، ليحققوا بذلك الجانب الإنساني من مسيرتهم الطبية. هناك عمل كثيف ودؤوب في المراكز الاستشفائية الجامعية لنؤمن هذه الخدمات، حتى يتمكن كل محتاج من الطبابة ومعالجة مشاكله الصحية والاستشفاء”.

وأمل جرباقة “أن يتمكن كل مواطن لبناني من تلقي العلاج”، مناشدا كل الأيادي البيض للتضافر ودعم القطاع الصحي في لبنان كي لا ينهار ومساعدة الدول المانحة للمؤسسات الإنسانية مباشرة لتصل إلى يد المواطنين”. وكشف عن “مشروع نافع عرضه للسفير الفرنسي ولممثل الاتحاد الأوروبي، وهو أن يستثمروا في كل أنواع اللقاحات وتقديمها للمواطنين بشكل مجاني من خلال الأطباء، فيصل إلى الجميع وتحديدا إلى العجزة والأطفال. وبعد مرور عام، نراقب فعالية هذا المشروع وسبل تطويره برعاية الجمعية اللبنانية لطب الأطفال وكليات الطب الممثلة فيه واليونيسف ومنظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة، ونكون بذلك قدمنا خدمة للشعب اللبناني من خلال تأمين اللقاحات الضرورية والأساسية”.

وتوجه بالنصيحة إلى الأهل بعدم الخوف من “الكوفيد19″ والتصرف ببساطة أمام أولادهم، حتى لا يتسبب ذلك بمشاكل نفسية وبأمراض خطرة أكثر من الفيروس في حد ذاته، وقال:”إن الإنسان بطبيعته يحب أن يتحرك ويتنشق الحرية وليس مخلوقا للعزل المنزلي والإغلاق على النفس. هذا العزل يؤدي إلى تفاقم مشاكل العنف المنزلي، إن كان العنف بشكل مباشر تجاه الأطفال أم عنف تجاه أي فرد يحبه في العائلة، وهذا يسبب تفكيرا سلبيا وقلقا عند الأطفال. هذا التفكير السلبي يجعله يتساءل طوال الوقت أسئلة وجودية عن مصيره في المستقبل والخوف من المرض والموت، أو فقدان أي شخص من أفراد العائلة. وقد لاحظنا أن هذا الجو السلبي طغى على نفسية الأطفال، تحديدا بعد انفجار بيروت المؤلم لجميع اللبنانيين والضائقة الاقتصادية التي تطال أولادنا من جهات عدة، وتترك لديهم أفكارا سوداء وتشنجات بسبب كل ما يشاهدونه على وسائل الإعلام بشكل غير مباشر. فماذا نقول عن الأطفال الذين يعانون أصلا من اضطرابات ومشاكل نفسية وهم بحاجة دائمة إلى المرافقة؟”.

وتساءل عن وجود المكان الآمن الذي سمح فيه الأطباء للأهل باصطحاب أولادهم إليه، “فنحن سمحنا للأولاد بالخروج وليس المخالطة، ولكن إلى أي حديقة عامة يتجهون؟ أين هو الرصيف الآمن الذي بإمكانهم التنزه فيه؟ أي مساحة آمنة نستطيع زيارتها نحن وأولادنا باستثناء بعض الأماكن المحدودة التي خصصتها البلديات في لبنان؟”.

أضاف:”إن السلطة المركزية واللامركزية لم تهتم كثيرا وبغض النظر عن الكورونا بهذا القسم من واجباتها، ولم تخصص للبيئة والسلامة العامة الأولوية لتتمكن العائلة من الخروج إلى مساحة خضراء تتفسح فيها وتتنشق هواء نظيفا في أماكن مفتوحة وهذا من أبسط حقوقها”.

نصائح للعام الدراسي الجديد

عن بدء العام الدراسي والخوف من “كورونا”، شجع جرباقة أهالي الطلاب لإرسال أولادهم وكيفية التأقلم مع الفيروس، “لأنه لا بد للحياة أن تتابع مسيرتها ولا بد للتلاميذ أن يعودوا إلى صفوفهم ومتابعة المنهج الدراسي. لن يتمكن طلاب لبنان كلهم من الدراسة عن بعد لأن العديد لا يملكون حاسوبا الكترونيا وليس في استطاعتهم شراءه، وفي مناطق أخرى لا تتوفر الكهرباء والإنترنت لمتابعة الدروس من المنزل. فمن الناحية العلمية، حين تفتح المدارس أبوابها في نهاية شهر أيلول، يجب أن يعود كل التلامذة إلى صفوفهم والأطفال إلى دور الحضانة، ومن يعاني من مشاكل صحية يبقى في منزله ويتابع دروسه بشكل منظم”.

أضاف: “من الضروري تخفيض البرنامج الدراسي لهذه السنة وإعطاء اللازم فقط، تقسيم الصفوف وتوزيع عدد التلامذة بشكل يتناسب والتباعد الاجتماعي واتخاذ كل سبل الوقاية من قبل إدارة المدرسة وأهالي الطلاب، ومن الضروري أيضا أن نعلم أولادنا كيف يتفادون المخالطة الاجتماعية والالتزام بلبس الكمامة وغسل الأيدي بشكل دوري”.

وشدد على “إرشاد أولادنا والاستماع إلى أفكارهم وقلقهم وتساؤلاتهم، ليبقى الحوار البناء والفاعل هو قوة عائلاتنا وأولادنا، وأيضا تدريب أطفالنا على كيفية التعايش مع الكوفيد وعدم البقاء في المنزل لان ذلك سيتسبب لهم بأمراض نفسية عدة ، فإما أن تنهار الحلقة الإقتصادية في الدول التي تتضمن التعليم والتربية وإما أن تمتلئ المستشفيات بالمصابين.”

وفي الختام توجه جرباقة إلى الأهل بالقول: “نحن مدعوون في هذه الظروف المقلقة، أن نتحدى كل الصعاب التي تواجهنا في وطننا لبنان وأن نتعايش مع وجود الكورونا والوضع الأمني لنحقق النهضة الإقتصادية والاجتماعية الضرورية للبلد. فالخوف على مستقبل لبنان كبير وأيضا على القطاع الصحي والتربوي وعلى جامعات لبنان، لذلك مطلوب من الجميع أن يتكاتفوا ويتحدوا لمنع البلد من الانهيار”.

ربما يسيطر الاستسلام واليأس على الكثير من العائلات في لبنان، بسبب تفشي “الكورونا” والأزمة الاقتصادية والوضع الأمني والضيق من كل صوب. ولكن تبقى الحياة أقوى من الموت… والأمل أقوى من اليأس …ولا بد أن يزهر ربيع حياتنا من جديد!!

***

(*) الوكالة الوطنية للاعلام 

اترك رد