حب فوق الضغط العالي

 

 

تحف الكثير من الاعمال متاعب ومخاطر، تختلف من عمل لآخر، وقد أضيف الى أجور بعض هذه الاعمال مبالغ خاصة تحت مسمى (الخطورة)، وهي امتياز مادي ومعنوي يحاول مكافأة خطر الظروف التي ترافقها.

مهما كانت تصوراتنا عن نوع بعض الاعمال الخطرة، لايمكننا ادراك الصورة الواقعية التي يعيشها المنخرطون في مواقع العمل، فلا يمكن تصور ظروف عمال المناجم او العاملين في مجال حفر الابار او الكهرباء بشكل دقيق، لذلك من المهم ان تكون هناك اعمال فنية وتوثيقية تسلط الضوء على هذه المخاطر وتعرّف بها، وتبرز الجهود المضنية التي يبذلها بعض الناس المغيبين عن ساحة الذكر.

يقدم ( Life on the line)  خليطاً غريباً يمتزج فيه (الخطر والحب والقلق والانتظار والمعاناة والمصادفة والاقدار واشياء اخرى) ، وهو يعرض لقصة واقعية عن (الكابل) عامل الاسلاك الكهربائية في امريكا، والظروف المرعبة التي يتعامل معها.

يبدأ الفيلم بعملية استذكار لشخصية محورية في القصة وهو (دنكن)، والذي يقدم سرداً تخيلياً للمجريات، يؤرخها بما قبل العاصفة.

في ليلة ممطرة، يخرج الاب العامل في الاسلاك بعد ان يطمئن صغيرته التي تخاف من البرق، وينبئها بأنه صوت الله لاهل الارض وخطابه لهم، ويهديها مصباحاً يدوياً تستعيض به عند انقطاع التيار، وبعدها يغادر تلبية لنداء عاجل اثر حدوث عاصفة أدت إلى تعطيل الكهرباء، حيث يلتحق بمجموعته، وعند صعوده لمعالجة احد الاعطال تصعقه الكهرباء ويخر صريعاً، وفي ذات اللحظة التي ينقل بها الى المستشفى، تلحقه الزوجة مسرعة بسيارتها، وبسبب انشغالها بمنظر الاسعاف القادمة الى المشفى، تصطدم شيارتهت بأخرى مسرعة، وتموت على اثر الحادث، لتصبح طفلتهما الوحيدة، يتيمة الابوين في ليلة مشؤومة.

العم بو الذي يكرس حياته لتربيتها، والذي يحبها بطريقة مجنونة، وهو رئيس لمجموعة عمال الاسلاك، شخصية قوية ومحبوبة، ثم الحبيب الذي تجعله الاقدار من نصيبها، هو الآخر يتيماً لاب مات في حادثة اصلاح اسلاك، وام فقدت صوابها لذلك، ومع كل ذلك، ألتحق بالعمل كعامل اسلاك.

مشاهد مثقلة بدراما الحب والخطر والخوف، تنتهي في رائعة وفاء استثنائية، تضيف قيمة مميزة لاهمية العمل المتعلق باصلاح الاسلاك وتحمل الخطر، إذ ينقطع التيار عن كل المدينة بما فيها صالة العمليات التي تولد فيها البنت الحامل من دنكن، والذي صار مقرباً من العم بعد صراع طويل بينهما، وبعد جولة من الخطر المرعب، يحاولان فيها تدارك الامور، يصعد العم ليتفقد المشكلة، ويجد الخلل الرئيس الذي تسبب في قطع الكهرباء عن المستشفى، وبعد محاولات لاصلاحه بالعصا تفشل كلها، يقدم بطريقة مجنونة للتعبير عن حبه ووفائه لاخيه وابنته، فيلقي بجسده على منطقة التشابك، ويفك القطع، ولكنه في اللحظة التي يعود فيها النور للجميع بما فيها صالة العمليات، تنطفىء معها انوار حياته، ليخر صريعاً على الارض في لحظة فداء نبيلة، تشكل بمجموعها معزوفة ملحمية تمثل خلاصة عناء الوجود، واحد اكبر قصص الحب الكبرى.

أن تبقى القلوب نابضة وخافقة بالحب الاستثنائي مع التواجد المستمر في احضان الخطر، هي قصة ملهمة بكل ما تعني الكلمة، فنحن في زمن تمثل الانانيات والمصالح سمته العامة.

في اللحظة التي اعيدت في الكهرباء الى اسلاك المدينة المقطعة، وصطعت انوارها اللامعة، كنت اشاهد انفاس وروح العم المضحي تحولت الى تيار حب بطعم مختلف، سرت في الاسلاك وانارت الظلام بشكل مختلف، حيث اعادت الروح لكل الصدور المختنقة.

اننا في هذا العمل نقف على نموذجين من الالهام، الاول يتمثل في حجم الخطر والمعاناة التي يتعرض لها بعض قطاعات العمل من اجل تقديم خدمة للاخرين، وفي هذه المناسبة نتذكر افواجاً من العاملين في القطاع الطبي وهم يتحملون المخاطر جراء انخراطهم لمواجهة هذا الوباء الخبيث، والثاني يتمثل في صور الحب النقية التي قدمها هذا العمل المميز، وهي صور تحتاجها حياتنا المحملة بقحط الجفاء واشواك الكراهية.. بصدق انه جرعة حب مميزة..

اترك رد