تحقيق محمد ابو اسبر
تداعيات جائحة كوفيد- 19 كانت كارثية على المستويات كافة، الصحية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والتربوية، وتسببت بالكثير من الآلام والمعاناة للأسر اللبنانية، إلا أن من أوجهها الإيجابية، على قلتها، كان إطلاق الطاقات البشرية الإبداعية الكامنة لدى اللبنانيين، وتحويل التهديد إلى فرصة، وكان لمنطقة بعلبك نصيبها في اختراعات وابتكارات وأفكار علمية بناءة، لمواجهة الفيروس القاتل، وحماية الناس.
ومن تلك المبادرات النوعية، ابتكار نبيل عقيل، بصنع جهاز قياس الحرارة الذاتي دون تدخل بشري، للحؤول دون الاحتكاك بمصابين محتملين بالوباء أو لمخالطين.
واللافت أن الجهاز يجمع ما بين دقة معطياته، وكلفته الزهيدة التي هي بحدود المئة دولار ثمناً للمواد الأولية المستخدمة في التصنيع، أي أقل من عشرة أضعاف سعر الأجهزة الشبيهة له في الأسواق العالمية.
ولأن عقيل مدرس وأكاديمي، انطلقت فكرته، من الحرص على سلامة الطلاب، عندما ساد الحديث مطلع شهر أيار حول إمكانية استئناف التدريس في المدارس والمعاهد والجامعات، قبل القرار الوزاري اللاحق الذي حسم الموقف، فتفرغ لمشروعه في بيته، مستغلاً الحجر المنزلي الطوعي، حتى أبصر ابتكاره النور، وأجرى له تجارب ميدانية للتأكد من فاعليته، في كل من مستشفى بعلبك الحكومي، ومستشفى الططري في بعلبك، وأثبت فعالية ودقة تقارب موازين الحرارة الزئبقية.
كما عرض عقيل مشروعه على لجنة الابتكارات العلمية في وزارة الصناعة، التي أثنت على الابتكار.
الأسباب الموجبة
وللوقوف على الأسباب الموجبة لإقدام نبيل عقيل على تصنيع ابتكار ميزان الحرارة الذاتي، قال: “لما كانت جائحة كورونا المستجدة، تتطلب مراقبة للحرارة كإحدى مؤشرات الإصابة الأولية، ولما كانت أغلب الدول والمؤسسات تستخدم مسدس الحرارة الإلكتروني للتعرف على حرارة الأشخاص، وهو إجراء يسبب ازدحام الناس، وعدم مراعاة التباعد الاجتماعي، ويستغرق بعض الثواني، ناهيك عن عدم دقة القياس نتيجة عوامل عدة، حيث لاحظنا أنه يسجل درجة حرارة بعيدة عن الواقع بما يصل إلى حدود الدرجة، ولما كانت الحاجة الى قياس الحرارة بشكل منتظم وأقرب الى الحقيقة والواقع وبشكل سريع ويجنب أي مخالطة، ودون أي تدخل بشري، كان هذا المشروع هو الحل لتلك المعوقات”.
مواصفات الجهاز
وأضاف: “هذا الابتكار يعتمد على البرمجة الإلكترونية، كما يعتمد على حساس للحرارة، ويعمل بواسطة شاحن الهاتف الخليوي أو بطارية 9 فولت، وهو قادر على تحديد حرارة الشخص المار من أمامه بأقل من ثانية واحدة، حيث تسجل النتيجة أمامه على الشاشة، وفي حال كانت درجة حرارة الشخص أكثر من 37.5 درجة، يصدر الجهاز إنذارات صوتية لمدة 5 ثوانٍ للتنبيه عن وجود شخص حرارته مرتفعة في المكان”.
وأشار إلى أن “حجم العلبة التي تحتوي جهاز قياس الحرارة الآلي صغير، وكذلك خفيف الوزن مما يسهل تركيبه على مداخل المنازل والمؤسسات التعليمية والمستشفيات والمتاجر والمحلات، أو عند أبواب المصاعد والفانات ووسائل النقل العام، أو في أي مكان عرضة للإزدحام، وتبقى الأهمية الأساس
لهذا المشروع أنه يمكّننا من قياس الحرارة بشكل تلقائي”.
وتابع: “المسدسات الحرارية الأكثر استخداماً حالياً، تتطلب تدخل بشري ومخالطة مع المرضى أو المشتبه بإصابتهم، مما يشكل خطراً على الأشخاص من الإصابة بالعدوى، وعلى سبيل المثال تخيل وقوف الأطفال في المدارس لأخذ حرارة كل تلميذ عبر مسدس الحرارة اليدوي، كم يستغرق ذلك من الوقت، وكم يعرض الولد لمخاطر المخالطة، ناهيك عن تسجيل نتيجة قد تكون خاطئة، بينما هذا الجهاز يقيس الحرارة للشخص آلياً، وينذر في حال كانت مرتفعة، وكل تلك العملية تستغرق ثانية واحدة، بمجرد الاقتراب منه، أي يمكن تسجيل حرارة حوالي 60 شخصاً كل دقيقة، مع مراعاة الدقة وشروط السلامة العامة”.
وردا على سؤال حول جدوى هذا الجهد، في حين تتوفر أجهزة مشابهة في الدول الصناعية المتقدمة، قال عقيل: “نعم بالتأكيد هناك الكاميرات الحرارية المتوفرة في المطارات شبيهة بهذا الابتكار، ولكن سعرها آلاف الدولارات، بينما هذا الجهاز الذي يعطي نفس النتيجة، كلفة تصنيعه بحدود المئة دولار، مما يجعله بمتناول قدرات الجميع أفراداً ومؤسسات”.
وختم: “أتوجه بالشكر إلى معالي وزير الصناعة الدكتور عماد حب الله، الذي بادر في لفتة كريمة إلى الاتصال بي هاتفياً منوهاً بالمشروع، وإنني سأقدم جهازي الأول الذي صنعته للوزير حب الله، عربون تقدير لدوره في دعم الصناعة المحلية، كما أشكر كل من واكبني وشجعني على المثابرة، حتى أبصر مشروعي النور”.
***
(*) الوكالة الوطنية للإعلام