بمناسبة مرور خمسة أسابيع على أحداث لبنان

الثورة الشعبية والتوازنات

الداخلية والمصالح الإقليمية

 

عبد الرؤوف سنّو/أستاذ جامعي

 

يوم الخميس 17 تشرين الأول 2019، كسر اللبنانيون حاجز الخوف ونزلوا إلى الشوارع بعفوية، ومن دون قيادة، في تظاهرات غطّت كلّ مدن لبنان وبلداته، وذلك للاحتجاج على ضريبة الوتساب التي أقرّتها الحكومة اللبنانية. وسرعان ما تحوّل الاحتجاج إلى انتفاضة عامّة تطالب بتحقيق ثلاث أهداف رئيسية: إسقاط حكومة سعد الحريري، وتشكيل حكومة من الأخصائيين، وإجراء انتخابات مبكّرة. أما لماذا انتخابات مبكّرة، فهو، برأي الحراك، لأنّ المجلس النيابي يتكوّن من الأحزاب والقوى السياسية التي تتشكل منها الحكومة المنوي إسقاطها، ووجوب ضحّ دم جديد في المؤسّسة التشريعية التي تنعكس تركيبتها وتوازناتها على الأداء الحكومي. إلى جانب ذلك، هناك هدف قوي معلن للحراك، وهو استعادة الأموال المنهوبة ومحاكمة الفاسدين، بعد إصلاح القضاء وتأمين استقلاليته وعدالته، كما مطالب اجتماعية وخدماتية واقتصادية وبيئية وتعليمية واستشفائية… وقد سرّع الانتفاضة مشروع موازنة العام 2020 الذي صدر خلال 72 ساعة ولم تحاك مطالب المعتصمين.

ومن دون الخوض في التسميات التي أطلق على حراك الشارع اللبناني، فقد تعرّضت الانتفاضة أو الثورة، منذ يومها الأول، لتعدّيات من بعض الأحزاب، وسقط لها ثلاثة شهداء في شهرها الأول، فيما  أُصيب العديد من المنتفضين بجروح. وعن حصاد الحراك بعد مرور خمسة أسابيع من  بدء الانتفاضة؛ فكانت استقالة حكومة سعد الحريري، وإصدار القضاء اللبناني قرارًا بإلزام شركتي الخليوي بأنْ تكون جميع فواتيرهما إلى المستهلك بالعملة اللبنانية وفق التعرفة الرسمية للدولار الأميركي. وقد نجح المعتصمون في ضرب الحصار على المجلس النيابي لمنعه من الانعقاد في جلستين تشريعيتين غير دستوريتين، في ضوء تركه  موازنة العام 2020 جانبًا وعدم دراستها ومناقشتها، كما عدم وجود حكومة أصيلة. وكان لفوز المحامي المستقلّ ملحم خلف بمنصب نقيب المحاميين في بيروت رغم أنف أحزاب السلطة، دلالات بتحرير العمل النقابي من السياسة والحزبية. لكن الحراك بقي من دون قيادة تمثّل مكوّناته التي تضم شرائح علمية وثقافية ومهنية وعمالية وحزبية وطلابية. وقد يكون هذا عنصر قوّة للحراك، لكنه في الوقت ذاته عنصر ضعف، حيث لا بد من التفاوض في نهاية الأمر مع السلطة للمشاركة في الحكومة العتيدة أو اقتراح ممثلين عنه، ومتابعة مجريات الأمور.

وعن التكتيك المستخدم، توسّل الحراك قطع الطرقات الرئيسية، إلى السلسلة البشرية من شمال لبنان إلى جنوبه، فمحاصرة وزارات الدولة ومؤسّساتها، إضافة إلى ذلك، اعتصامات أمام مصرف لبنان وفروعه في المناطق، كما أمام شركتي الخليوي، فالتظاهرات السيّارة، والحلقات التثقيفية في ساحات الثورة، وصولًا إلى “بوسطة الثورة” التي انطلقت من عكار إلى جنوب لبنان حاملة رسالة محبة وسلام إلى كلّ الوطن؛ لكن عناصر مشبوهة اعترضتها في صيدا ومنعت توجهها إلى هدفها النهائي. واللافت في الحراك، انتفاضة المناطق الشيعية في الجنوب والبقاع، بانضمام المواطنين، للمرّة الأولى، إلى حراك وطني، رغم التضييق عليهم من قبل الأحزاب هناك. كما استقال أعضاء من بلدية النبطيّة، وصحافيون شيعة من مؤسّسات صحفية التي يعملون لديها.

*

بناءً على كلِّ ما تقدّم، انبثقت قوتان تواجهان بعضهما بعضًا؛ تمثّلت الأولى بحراك وليد الأوضاع السياسية والاقتصادية والمالية والمعاناة الاجتماعية والخدماتية، والثانية الطبقة السياسية التي تصرُّ على البقاء في السلطة، مستخفّة بالحراك، فتقترح إصلاحات لا تحاكي، بموضوعية وشمولية، الواقع المستجد والملفات التي تتخبّط البلاد فيها (“ورقة الـ 72 ساعة” للحريري).

هذا الحَراك الفريد في تاريخ لبنان، يستهدف كلّ القوى السياسية والتكتلات الاقتصادية التي حوّلت الدولة ومؤسّساتها إلى إقطاعات “حديثة” وبؤر فساد تقوم على النهب والمصالح الذاتية ومخالفة القوانين، حتى خرق الدستور اللبناني. وبعبوره الطوائف والمذاهب والمناطق، وتنوّع شرائحه الاجتماعية والمهنية والثقافية، أضحى الحراك خطوة متقدّمة عمّا حصل العام 1943 وخلال حرب لبنان. في معركة الاستقلال، خرج اللبنانيون موحدين، كطوائف، وراء زعمائهم لانتزاع الاستقلال من دولة الانتداب فرنسا. لكن تضامنهم الاستقلالي كان مرحلة عابرة لم تتجاوز أسبوعين، فارتدوا إلى طوائفهم؛ فكان الانقسام على الناصرية وعلى المقاومة الفلسطينية وعلى دور لبنان في الصراع العربي–الإسرائيلي، سببًا رئيسيًّا لاندلاع حرب لبنان العام 1975، ودخول الجيش السوري إلى البلاد العام 1976 وانقسام اللبنانيين حوله.

وفيما حَمَل اللبنانيون السلاح خلف زعمائهم الطائفيين والمذهبيين خلال حرب لبنان حتى العام 1990، فهمْ يثورون اليوم ضدّ كل الطبقة السياسية، تحت شعار “كلّن يعني كلّن” الذي أغضب قيادات كانت تعتبر نفسها بعيدة عن انتقاد الشارع. لكن يبقى التحدّي الأكبر للمنتفضين في أنْ يبقوا متحدين بعيدين عن الطائفية – السياسية والطائفية المجتمعية والمصالح الذاتية. في الماضي، حمل الآباء السلاح، واليوم يرفع الأبناء العلم اللبناني وحده، ويتكلمون بصوت واحد ويطالبون بحقوق واحدة. إنّ كون غالبية المنتفضين من الفئات العُمْرية ما دون 30 سنة، يدلّ على وعي سياسي جديد. وفي 4 تشرين الثاني الماضي، انضم إلى الحراك-الثورة تلامذة المدارس وطلاب الجامعات، مفضلين خسارة سنة دارسية على خسارة مستقبلهم من جراء البطالة من العمل. وردًّا على تعطيل المدارس، قالت معلمة مدرسة:” لا… التلامذة يذهبون إلى المدرسة، إنهم يتعلمون من مدرسة الثورة كيف تُبنى الأوطان”. واللافت أيضًا، هو مشاركة المرأة في الحَراك بشكلٍ فاعل، وفي التظاهرات النسائية في الجنوب والبقاع، بالأمس واليوم.

وإذا كان اللبنانيون قد دخلوا حرب لبنان باقتصاد قوي، تأثر في ما بعد بالأوضاع السياسية والأمنية، إلا أنّ الاقتصاد كان يواصل نشاطه، وإنْ بنمو متذبذب، بفعل المال السياسي وذاك الفلسطيني والتحويلات الخارجية خلال الحرب، والمساعدات العربية والدولية والاستثمارات المتدفقة إلى لبنان بعد الطائف في قطاع العقارات والإعمار والبنى التحية، والتحويلات التي كان يرسلها المغتربون، والنمو في السياحة الذي وصل إلى أوجه العام 2010. أما اليوم، فيئن الاقتصاد تحت عبء السياسات الاقتصادية والاستدانة وخدمة الدين والانفاق الهائل على قطاعات غير منتجة ونهب المالية العامة والهدر، وعجز ميزان المدفوعات، كما في ضوء وجود اللاجئين السوريين على أرض لبنان وأوضاع المنطقة، في حين وصل حال الأوضاع الاجتماعية والمعيشية والخدماتية والهجرة الشبابية إلى درجة خطيرة، كما هروب رؤوس الأموال إلى الخارج. فبين حزيران 2018 وأيار 2019، خرج من لبنان 10.4 مليارات دولار، في حين أدّى الاستيراد العام 2018 إلى خروج نحو 20 مليارا دولار. وفي 15 تشرين الثاني، صنفت مؤسّسة “ستاندر أند بورز” لبنان بالمرتبة: CCC.

أيها الحضور الكريم،

هل تتشكّل حكومة عتيدة يرضى عنها الحراك والمجتمع الدولي، وأي رئيس لها وبرنامج؟

تسبّبت استقالة سعد الحريري المفاجئة في 29 تشرين الأول بانهيار “التسوية الرئاسية” التي كان عقدها سعد الحريري وميشال عون بمباركة حزب الله، وقضت بوصول عون إلى الرئاسة الأولى والحريري إلى الرئاسة الثالثة. إشارة إلى أنّ الحريري تشجّع على عقد التسوية المذكورة باتفاق معراب بين التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية مطلع العام 2016 الذي نتج منه تأييد جعجع ترشيح عون للرئاسة. وقد عزا الحريري استقالته إلى رغبته بالاستجابة إلى نبض الشارع، لكن المصادر رأت أنّ خلافات كثيرة بينه وبين صهر الرئيس عون، وزير الخارجية جبران باسيل، داخل مجلس الوزراء وخارجه، كانت وراء تبنّي الحريري مطلب الشارع في تشكيل حكومة تكنوقراط يُستبعد عنها باسيل. أما حزب الله وحركة أمل، فتمسّكا برئيس الحكومة المستقيل، كونه يهادن سياسة الحزب في الداخل وعلى الصعيد الإقليمي، وكذلك لقدرة الحريري على الانفتاج على المجتمع الدولي. ومنذ ذلك الحين، يعمل حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني على تشكيل حكومة تكنوسياسية، من دون تحقيق كلّ تطلعات الشارع.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل ستسمح الولايات المتحدة بولادة حكومة جديدة يدخلها حزب الله، في ضوء الصراع بينها وبين إيران حول ملف الأخيرة النووي ودورها الإقليمي، وتشديد عقوباتها الاقتصادية والمالية عليها وعلى الحزب بشكل خانق؟ وهل دخل لبنان في نطاق كباش أميركي-روسي حول الإمساك به والتنافس على حقول النفط والغاز فيه؟ ومع أنّ الحراك لم يرفع شعارات مباشرة ضدّ حزب الله وسلاحه، فقد أضحى لبنان في قلب الصراع الإقليمي، حيث يعتقد الحزب أنّ أميركا تقف وراء الحراك أو بعضِه، بهدف عزله وتوريطه في نزاع داخلي، وربما نزع سلاحه الذي لن يفيد، برأينا، أحدًا في هذه اللحظة المصيرية. وقد عُزّزت هذه المخاوف بتصريحات رسمية أميركية، وبأحداث العراق الدموية، وما يحدث في إيران منذ أيام قليلة، فضلًا عن اتهامات موسكو لواشنطن برغبتها زعزعة الأوضاع في لبنان لضرب حزب الله؛ هذه الاتهامات التي تفوح منها رائحة النفط والغاز. من هنا، تريد إيران من حزب الله أنْ يحافظ على موقعها في لبنان ويُمسك بكلّ خيوط “اللعبة” والتوازنات، بعدما وهَن مركزُها في سورية لصالح روسيا وتركيا، وأضحت مهدّدة بخسارة مركزها المتفوّق بالانتفاضة الجارية في العراق. لذا، يتصرّف الحزب اليوم بطريقة منسجمة مع استراتيجيته الإقليمية القديمة، بألا يفقد دورّه المهيمن في لبنان وعلى المؤسّسات لصالح الولي الفقيه.

من هنا، وعلى الرغم من الضغوط الأميركية عليه، تمكّن الحزب من جعل الحكومات اللبنانية بعد الطائف تتبنّى مقولة: “الشعب والجيش والمقاومة” في بياناتها الوزارية، أو صيغ مشابهة لها. واستفاد الحزب، كذلك، من تفاهمه مع التيار الوطني الحرّ (تفاهم شباط 2006) ليضفي على نفسه طابعًا وطنيًا يحتاجه، فيما خرج التيار من عزلته التي فرضها عليه تكتل 14 آذار. كما استفاد من سياسة “الغضّين”، غًضّه الطرف عن الفساد المستشري في الدولة ونهب المالية العامّة، في مقابل غَضّ القوى السياسية الطرف عن سلاحه ودوره الإقليمي. لكن ذلك، أوصل الدولة إلى الإفلاس وانهيار اقتصادها وفقدانها سيادتها على شعبها وأراضيها.

ويشهد تاريخ الحزب منذ العام 2005 على تبعيته المباشرة للولي الفقيه، وتنفيذ أجندات إيرانية تسبّبت بشرخ في التماسك الوطني. فعندما نزلت الجماهير إلى الشوارع في شباط وآذار 2005 (ثورة الأرز) ردًّا على اغتيال الرئيس الحريري، وطالبت بخروج سورية من لبنان،  أعلن حزب الله وأتباعه عن الوفاء للنظام السوري، إنسجامًا مع الحلف الإيراني-السوري؛ فتسبّب موقفه بانقسام اللبنانيين. وفي الحرب بين حزب الله وإسرائيل العام 2006، تسبّب مرّة أخرى بانقسام اللبنانيين، بعدما رأى بعضهم أصابع إيران فيها، كرد على تحرّشات الإدارة الأميركية بملفها النووي. واشتد انقسام الشارع اللبناني والقوى السياسية حول التحقيق الدولي في اغتيال الحريري، عبر تعطيل الحزب وأتباعه عمل المجلس النيابي، والاعتصام في وسط بيروت، وشلّ الحياة الاقتصادية فيه (مطلع 2007 إلى الأسبوع الثالث من أيار 2008). وبعد ذلك، فَرَضَ الحزب سيطرته العسكرية على بيروت في 7 و8 أيار 2008، نتيجة قرارات متسرّعة لحكومة السنيورة، كما “اتفاق الدوحة”، الذي قلب التوازنات لصالحه، باعتماد مجلس الوزراء قاعدة “الثلث الضامن”. فأعلنت طهران أنّ الرياض وواشنطن خسرتا دورهما في لبنان.

وما لبث حزب الله أنْ أسقط حكومة سعد الحريري العام 2011، أثناء وجوده في زيارة رسمية لواشنطن، وذلك بانسحاب الوزراء الشيعة منها والوزير الحادي عشر “الضامن” (حصّة رئيس الجمهورية)، ما جعل  السعودية تجمّد دورها في لبنان. وقد أجرى الأمين العام لحزب الله بنفسه الاستشارات النيابية التي أتت بنجيب ميقاتي رئيسًا للحكومة بشكلٍ مخالف للدستور، ما أكد إمساك حزب الله بالقرار السيادي اللبناني. وبعد تعطيله الاستحقاق الرئاسي لسنتين ونصف السنة، منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في أيار 2014، لصالح الإتيان بحليفه ميشال عون إلى الرئاسة الأولى، شارك الحزب في “التسوية الرئاسية” العام 2016، التي ضمنت سلاحه ودوره الإقليمي. كلُّ هذه الأمور، تفسّر موقف الحزب المعارض لأي تغيير في لبنان يأتي به الحراك ويحظى بتطلعات معظم اللبنانيين ولا ينسجم مع مصالحه؛ فيعتبر الحزب الحراك أداة أميركية لسحب البساط من تحته.

*

ليست القصة، برأينا، في تغيير حكومة بأخرى، بل في نوعية الحكومة وتركيبتها وبرنامجها التي يخشى حزب الله ألا تغطّي سلاحه وتكون تحت ضغط أميركي لإدراج القرارين 1559 و1701 في بيانها الوزاري. ولا يزال الحزب يذكر أنّ استقالة حكومة ميقاتي في آذار العام 2013، كانت، إلى جانب عوامل داخلية أخرى (تمديد ولاية أشرف ريفي المدير العام لقوى الأمن الداخلي)، استجابة لقرار سعودي- أميركي لإخراجه من الحكومة. حتى أنّ “إعلان بعبدا” في حزيران 2012 لنأي لبنان نفسه عن ما يحدث في محيطه، وبخاصّة في سورية، كان بدعم سعودي-أميركي لوقف تدخّله في سورية.

من هنا، نفهم لماذا تأخرت الاستشارات النيابية المُلزمة، وجُعِل التأليف قبل التكليف. إنّ حزب الله وأتباعه يريدون تحقيق أحد خيارين: 1- أنْ يشكل الحريري الحكومة العتيدة لحاجتهم إليه في علاقات لبنان السياسية والمالية مع الخارج، ولكن بشروطه هو، كما عدم استجابته للضغوط الأميركية عليه في شأن سلاح الحزب ودوره الإقليمي. وفي الوقت ذاته، يريد الثنائي الشيعي ومعهما التيار الوطني الحرّ، إعادة تشكيل الحريري الحكومة العتيدة لتحميله وزر الانهيار المالي المتوقّع؛ 2- أنْ يشكّل الحزب وحلفاؤه حكومة تكنوسياسية أو من لون واحد تحقق أهدافهم، بتركيبتها وبيانها الوزاري، لكن فرص نجاحهما ستكون ضئيلة. من هنا نفهم سبب تمسّك تلك القوى بسعد الحريري للإبقاء على التسوية الرئاسية.

*

في استشراف المستقبل، تتحرّك الأمور وفق السيناريوهات الآتية:

1- بقاء الحراك على مطالبه بحكومة تكنوقراط، وتمسّك حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحرّ بحكومة تكنوسياسية وبنائج انتخابات العام 2018 التي جعلتهم الأكثرية في المجلس النيابي ، ما يؤدّي في النهاية إلى مزيد من انهيار المؤسّسات، كما الاقتصاد والمالية.

2- تشكيل حكومة تكنوسياسية يرضى عنها حزب الله، ويدخل إليها أعضاء من الحراك أو ممثلين عنهم، وعندها سيكون الحراك منغمسًا في اللعبة السياسية، فيوضع أمام امتحان لصدقيته: إما أنْ يصطدم مع مكوّنات الحكومة ويستقيل وزراؤه، أو يتخلى عن باقي مطالبه، لقاء إصلاحات شكلية.

3- تشكيل حزب الله وحلفائه حكومة من لون واحد، لا يكون سعد الحريري رئيسها، وحظوظ هذه الحكومة ضئيلة في النجاح، لأنها ستكون محلّ انتقاد من قبل المجتمع الدولي ودول الخليج العربية؛ فيتم عندها تجميد مقرّرات مؤتمر سيدر، وبالتالي عدم تلقي لبنان مساعدات عربية ودولية.

4- تشكيل الحريري حكومة تكنوقراط؛ من شخصيات مستقلّة غير مستفزّة لحزب الله، لقاء إعطائه الحزب ضمانات في الحدّ الأدنى تقبل بها الولايات المتحدة، وذلك في حال تقدّمت المحادثات السرية بين واشنطن وطهران في مسقط.

5- شقّ الحراك سياسيًا وطائفيًا ومذهبيًا، كما حصل بين التيار الوطني الحرّ والحراك، أو في تصدّي مجموعات مشبوهة لـ “بوسطة الثورة” (16 تشرين الثاني) لمنعها من الوصول إلى صيدا وبالتالي إلى الجنوب الذي يجري العمل على تحييده عن الانتفاضة.

6- تغليب الأطراف السياسية المصلحة الوطنية، وإشراك الحراك في حوار وطني حول كلّ الملفات المطروحة؛ من موضوع تحييد لبنان، إلى الصراعات الخارجية، وبناء الدولة الديمقراطية العادلة التي تساوي بينً كل مواطنيها في الحقوق والواجبات، ما يفسح في المجال أمام الوصول إلى الدولة المدنية مستقبلًا.

7- فشل كلّ الطروحات أعلاه، فينزل حزب الله إلى الشارع كخيار لا بد منه لـ “تغيير المعادلات”، كما جاء في خطاب السيد حسن نصر الله بعد يومين من انطلاق الحراك. فيمسك بالأوضاع في الجنوب والبقاع وبيروت، وهذا يعني عمليًا تقسيم لبنان إلى منطقتين، تخضع الأولى لسيطرته المباشرة، والثانية لسيطرة القوى المسيحية هناك، مع إمكانية حدوث صراع بين مكوّناتها، كالانقسام الدموي بين الأعوام 1988 و1990.

اترك رد