الأب الياس كويتر المُخلّصي…! ماتَ الراهِبُ الابيضُ الدائمُ البَسمة….!

 

 

إنْطِفَاءَةُ سِراجٍ…

ماتَ مَشْغُولَ البالِ على لبنان َ والمَسيحِيِّينَ في الشرق…!

هادئاً، كَعَبْقَةِ شَيْلِ البُخُّورِ في مَنْسَكَةٍ صَوْمَعِيَّةٍ نائِيَةٍ، ضَبْضَبَ الراهب الابيضُ (ابونا الياس ) أَوْراقَ أَيّامِهِ البيض ِ..، قَرَأَ فَرْضَ صَلْوتِهِ، أَقامَ هوُ الذَبيحَةَ على روحِهِ …

تناولَ آخرَ قُربانةٍ…

كَتَبَ رَقيمَهَ بِلُغَةٍ بَسيطَةِ ناعِمَةِ الرُوحَانِيَّاتِ …

إِنْحَنى سَجْدَاً على مَركَعَةِ الخَشَبِ.. وَشْوَشَ الّلَهَ…

إِسْتَأْذَنَهُ أَنْ يَطْويَ شَحيمَتَهُ ويرحَلَ، وأَنْ يَحُلَّهُ من كُلِّ ما إِقْتَرَفَهُ بالفِكْرِ والقَوْلِ والفَلْسَفَةِ واللَّحْنِ والتأريخ، ومِنْ كُلِّ قَوْلَةِ حَقٍّ وَ وَقْفَةِ جَرأَةٍ، أَتاها في زَمَنِ الطَأطَأَةِ والإِخْتِبَاءاتِ مِنْ الجَهْرِ ضِدَّ القَهْرِ والعُهْرِ الذي كَادَ أنَ يُفْرَضَ عَلَيْنْا فَريضَةْ خُنوعِيَّةً، و جِزْيَةً رُوحِيَّةّ، نَدْفَعُها بالعِمْلَةِ الصَلْبَةِ عَنْ أَجْيالٍ وأَجْدَادٍ وأَسْلافٍ، كَمُسْتَحِقّاتٍ و دُيونٍ مَوْروثَةٍ، و نَتَعْهَّدُ تَوقِيعَ سَنَدَاتٍ مُسْتَقْبَلِيَّةٍ غَاليَةِ الرِبى عنْ أَولادٍ وأَخْلافِ، مَفْتُوحَةٍ تَواريخُ إِستِحْقاقَاتِها على أَزْمانٍ حُمْرٍ وَشَّحَتْها ظُلُمَاتُ المَصيرِ، الذي لَمْ نَتَعَلَّمُ مِنْهُ حَرفاً ولَمْ نَتَحَسَّبُ لَهُ مَرَّةً، ولَمْ نَتَحَوَّطَْ لَهُ جِيلاً بَعْدَ جيلٍ، كَيْفَ لا نَكونُ أَضاحيَ غَبَّ الطَلَب… ولِماذا نَحْنُ مَنْذورُونَ أَبَداً أَنْ نُنْحَرَ ذَبائِحَ على دَرَجاتِ عَتَباتِ تارِيخِ {قانونِ المَحَبَّةِ } الغاليَ الكِلْفَةِ….!!

بِلا إِسْتِئْذانٍ دُنْيَويٍ، ومنْ دونِ إِذْنٍ رِئَاسِيٍّ، يَغيبُ الأَب إلياس كويتر مؤرِّخُ الرهبنَةِ المخلصيّةِ وطائفة الروم الملكيين الكاثوليك..رَحَلَ هادِئاً بسيطاً راضياً مَرْضِيّاً… خَارجَ كُلِّ الألقابِ العِلْمِيَّةِ التي كانَ فيها عَلَماً، و الرُتَبِ الكَهْنوتِيَّةِ التي نَصَعَ في مَرَاتِبِها وتَأَلَّقَ رِفْعَةً في أَصْفَى مُرْتَقَياتِها، حتّى بَسَاطَةِ النَقاءِ..!.

هوَ اللّابِسُ المَسيحَ نُذٌوراً رَهْبَانِيَّةً، والمُتَضَلِّعُ عُمْقِيّاً في اللَّاهُوتِيّاتِ والفَلسَفاتِ وفَنِّ التأريخِ الروائيّ الموَثَّق، والعَارِفُ العَلّامَةُ بالُّلغَاتِ القديمة، والقامَةُ الفَهَّامَةُ، والمُحَاوِرُ الَّلبِقُ في تَنَخُّلِ الأَلفَاظِ و جَوْهَرَةِ العِباراتِ …يَغيبُ عَنِ الرهبنةِ التي أعطتِ الكنيسة ولبنان قوافل َ من أعلامِ اللّاهوت والفكرِ والأدبِ والفلسفةِ…يَغيبُ عن الكنيسةِ وكُلِّ لبنانَ كإنْخِسَافَةِ شَمْسٍ في وَقْتٍ {لا إِعتِدالَ لِلأَزْمِنَةِ } فِيهِ …!

بِوَجَل ووَقارٍ،يُطْبِقُ( ابونا الياس) عَينَيْهِ على وَجَعَاتِ لبنانَ النَوْعِيِّ التَنَوُّعِ والغَنِيِّ بالتُراثاتِ الروحَيَّةِ والإيمانِيَّةِ، والذي كانَ يرى في إختلافاتِها لُمَعاً كَثيراتٍ تَزيدُ من مَعنى لُبنانَ وإِنفرادِيَّتِهِ الفُسَيْفَسائِيَّةِ التركِيبِ، ما أَحَلَّهُ مَكانَةً فِكْرِيَّةً دالَّةً في عُقُولِ قادِريهِ و قُلوبِ عارِفيه..!

صَادَقْتُهُ راهِباً زادَ وَرَعاً…وعرفتُهُ مُفكِّراً وإبنَ مَذْبَحٍ و رَجُلَ إيمانٍ وحوار وتلاقٍ، من طِينَةِ مُثَلَّثِ الرحمات #المطرانسليمغزال، فَعرِفتُ فيهِ رَصانةَ العِلمِ،و دِقَّةَ التَخْطيطِ، وإنفتاحيّةَ الفكْرِ العميقِ، وفَنَّ إِستِعْذابِ الكَلامِ المُنَقَّى والمُنَمَّقِ واللاَّئِقِ والبِلا قَفَّازات..!

الأب الياس كويتر العَلاَّمةُ المِلفانُ، يَكْتْبُ في يَوْمِيَّاتِه سِيرَةً من تاريخِ الروم الملكيين الكاثوليك الكِبارِ،الذينَ كَتَبَهُمُ التاريخُ فَكَتَبوه..!

اليَوْمَ تَنْغَلِقُ دَفَّةٌ من حَياةِ رَاهِبٍ كَبيرٍ، و يَنْكَسِرُ وَتَرُ عُودٍ نَغَمِيٍّ رَنَّانٍ كانَ يَرْتاحُ العَزْفَ على وَتَرِيَّاتِهِ لِيَنْطَرِبَ و يُطْرِبَ كُلَّ مَنْ إِسْتَعذَبَ نَقْرَةَ عودٍ أََوْ إِنْدَمَنَ على سَكْرَةِ لَحْن من شَجَنِيّاتِ أَروقَةِ دير المَخَلّص, المَحْفورَة على حِجارَةِ عَماراتِهِ أَحداثٌ كَثيراتٌ…والحاملُ المَحبّةَ بقلوبِ رُهبانِهِ، الذينَ أَذخروا الطائفة َ ببطاركة ومطارنة ورجال كنيسةٍ أَطهار، يَدومُ ذِكرهُمُ إلى الأبَد…!!!

كُلُّ العَزاءِ للرهْبَنةِ المُخلّصيّة، بِإنِطِفَاءَةِ هذا السِراجِ … الذي أَبَّدَ ذِكْرَهُ بِوَفيرِ كِتاباتِهِ الأبائيّةِ…!

ولِقدسِ الأرشمندريت أنطوان ديب الرئيس العام، ومصافي الآباء المُدَبِّرينَ…نقول {{المسيحُ قامَ}}…!

 

اترك رد