رَحِيلُ الصَّدِيق!   

   

 

(في رَحِيلِ الصَّدِيقِ الكاتِبِ المُهَندِسِ إِمِيل شاهِين)

 

أَن يَرحَلَ الصَّدِيقُ في غَفْلَةٍ مِنَ الزَّمَن

في ساعَةٍ لا يُنتَظَرُ فِيها الرَّحِيل

إِنَّها الصَّدمَةُ الَّتي تَقُضُّ الهَيكَلَ، وتُزَعزِعُ الأَضلاع

إِنَّها الحُزنُ الَّذي لا يَرحَم

والدَّمعَةُ الَّتي تَكوِي خُدُودًا جَرَّحَها الأَلَم

في رَحمَةِ اللهِ أَيُّها الصَّدِيق

إِمِيل شاهِين

وَإِنَّكَ لَتَبقَى، في البالِ، ذِكرَى لَن تَبُوخَ على الأَيَّام!

سَتَذكُرُكَ المَرابِعُ!

جِمارًا كانَ نَأْيُكَ والتِياعا.               لِمَ، يا صاحِ، عَجَّلتَ الوَداعا؟!

رَحَلتَ فَراعَنا أَمَلٌ تَهاوَى،              أَلا ما أَصعَبَ الأَمَلَ المُضاعا

لَكَم كُنَّا، على الأَشواقِ، نَبغِي           لِقاءً دائِمًا؛ فَهَوَى وَضاعا

نَوَدُّ، فَلا تُسانِدُنا اللَّيالِي،                ويَمضِي العُمرُ يَهجُرُنا سِراعا

تُراكَ نَسِيتَ، هل غَيَّرتَ دَرْبًا؟!          تُراكَ سَئِمْتَ، بَدَّلتَ الطِّباعا؟!

أَرَدنا… هَل يُرِيدُ الدَّهرُ أَيضًا؟!                 وَهَل لِمُنَى الجَوارِحِ أَن تُطاعا؟!

فَواأَسَفًا تَغِيبُ، ونَحنُ كُنَّا                رَسَمنا عُمرَنا الآتِي اجتِماعا!

***

صَدِيقِي ما كَلَلتَ تَسِيرُ قُدْمًا،            وَهاكَ اليَومَ أَمعَنتَ انقِطاعا

أَأَتعَبَكَ الكِفاحُ، فَقُلتَ يَكفِي،              وأَنتَ مَلَأتَ ساحَتَنا صِراعا؟!

فَأَزمَعتَ الرَّحِيلَ لِغَيرِ عَوْدٍ،              إِلى المَجهُولِ تَندَفِعُ اندِفاعا

نُباهِي، نَملَأُ الدَّنيا غُرُورًا،              ونَبنِي في مَجاهِلِها القِلاعا

فَيَأتِي المَوتُ يَكشَحُ ما بَنَينا،             ويَنشُرُ فَوقَ أَربُعِنا الضَّياعا!

***

لَقَد كُنتَ الثَّقِيفَ إِذا تَلاقَى     ـــــــــــ       الصِّحابُ لِمَجلِسٍ يَبغِي اطِّلاعا

فَما أَشجَيتَ إِلْفًا، أَو تَناهَى              إِلى الخُلَّانِ ما يُشجِي السَّماعا

وكُنتَ كَما العَبِيرُ بِكُمِّ وَرْدٍ،              إِذا ما مَرَّتِ الأَنسامُ ضاعا

وكُنتَ إِذا رِياحُ البَغْيِ هَبَّت،             تَهُبُّ مُبادِرًا حُرًّا شُجاعا

مَرَرتَ، وحَسْبُ ذِكرِكَ أَن سَيَبقَى         على السَّنَواتِ يَختالُ ارتِفاعا!

***

سَتَبقَى، لا تَظُنَّ رَحَلتَ عَنَّا،             أَلَيسَ سُلُوُّ مَن نَهوَى خِداعا؟!

نَضَوتُ يَراعَتِي، وجَلَوتُ فِكرِي،          وذِكرُكَ في مُخَيِّلَتِي تَداعَى

إِلَيكَ قَصِيدَتِي سَطَّرتُ فِيها               صَداقَةَ فارِسٍ تَرَكَ التِياعا

فَشَوقِي في المِدادِ شَجاهُ حَتَّى            تَسَلسَلَ ساخِنًا يَكوِي الرِّقاعا

رَحَلتَ… فَلَيتَ ما آتَتكَ رِيحٌ،            وَلا دَفَعَت إِلى النَّائِي الشِّراعا

سَتَذكُرُكَ المَرابِعُ كُنتَ فِيها،              إِذا انداحَ الظَّلامُ بِها، شُعاعا

صَدِيقِي لَن تَغِيبَ، فَعُدْ خَيالًا،           نَجِدْ، بِبَرِيقِهِ، الإِيناسَ شاعا!

اترك رد