ريتا الخوند
وابتدأ فصل الخريف وكلّنا يدرك أنّ هذا الفصل ليس من الفصول المحبّبة إلى أكثريّة النّاس …
أمّا أنا فأحبّ الخريف أوّلًا لأنّه الفصل الثّالث ، وأنا أتفاءل بالرّقم ثلاثة … وثانيًا لأنّه المرحلة الانتقاليّة الّتي تمرّ بها الأرض ، وربّما أيضًا لأنّه فصل التّغيير … مع بدئه تنتصب الشّمس عاموديّة فوق خطّ الاستواء ، ويتساوى كلّ من اللّيل والنّهار ، وهو ما يُسمّى بالاعتدال الخريفيّ … ومع أنّي هوائيّة متطرفة في ميولي ولست مع الاعتدال ولا مع المعتدلين ، إلّا أنّني أحبّ اعتدال الخريف ، وأهوى نسماته العليلة المنعشة ، وتقلّباته بين البارد والدّافئ … بين شمس وغمام … وَمزاجه المائج بين صحو ومطر!!!
كثيرون يحزنهم قدوم الخريف ، وتُكئِبُهم رؤية أوراق الشّجر تذبل وتذوي وتسقط ، وأسراب الطّيور المهاجرة تغادر إلى أماكن بعيدة أكثر أمانًا ودفئًا استعدادًا لمواجهة صقيع الشّتاء … وأنا غير معظمهم يسحرني الخريف ، ويدهشني قوس القزح ذاك يولَد مِن لحظة عشق من رحم مطر وأشعّة شمس ذهبيّة … وكم يجذبني بعدَ ثوبِها الأخضر اليانع ، ثوبٌ ذهبيّ تتمايل به الطّبيعة وتتهادى ، فيتلوّن ويتحوّل يومًا بعد يوم ، من الأحمر إلى البرتقاليّ ثمّ البنّي في أبهى حلّة ، تعجز الحروف عن وصفها!!!
هو فصل التناقضات ، فصل الحصاد وفصل البذر … فصل القطاف وفصل الزّرع والريّ والارتواء!!!
تتقاطع في الخريف الفصول الأربعة فيجمع في حضنه بقايا صيف وربيع ، وبعضًا من شتاء قادم ، وأمطارًا وشمسًا ودفئًا وبردًا … إنّه الرّوعة سكبها الخالق في لوحة واحدة فاختصر بها كلّ الرّوعات … إنّه جمال الكون يجتمع في الفصل الثّالت !!!
أهلًا بقدومك أيّها الفصل الثّالث ، لكنّي وَبصدق وعلى رغم ودّي ومحبّتي لكَ وفرحتي بكَ ، بقي أن أقرّ وأعترف لكَ أنّ حياتي هي الفصل الخامس ، وهو فصل الشّوق لِعينيهِ … به تبدأ وَتنتهي كلّ الفصول !!!