روايةُ “وادي الغيوم” لعلي نسر في قراءة نقدية

مؤمنات أحمد الجباوي

 

“غريبٌ هذا الرّجل، تعلّقه بكلّ ما يذكّره بالماضي يصلُ به حدّ العِشق. طفولتهُ متجذرةٌ فيه، ومطلعُ شبابه يحنّ إليه رغم ما كانَ يُحيطُ بهِ من أخطار الحرب الّتي شاركَ فيها، وخرجَ منها مُتشظّياً يُحاولُ أن يجمع نُتفاً من أحلامه فتنزلقُ من كفّه كفرخِ سمكٍ لمّا تزل الرّوحُ فيه”

روايةُ وادي الغيوم للكاتب علي نسر، روايةٌ عصريّة مواكبة لتطوّرات مُجتمع فيه من الخلافات والاختلافات الكثير.

يوسف قنديل المحورُ الأساس للرّواية الّذي يتبنّى فكرة ويُحاول الدفاع عنها واقناع الآخر بها بتقديم الكثير من الأدلة والحُجج.

في هذهِ الرّواية هدفٌ أساس وهو اعمال العقل، والعمل على إعادة تكوينه وفق ما تفرضه المُتغيّرات، وأيضاً نقد العقل.

حيثُ وقد قرأت في مرّات سابقة في كتاب “تكوين العقل العربي”،”للدكتور محمد عابد الجابري” والّذي جاء الكاتب على ذكره في روايته “أن نظرة الإنسان العربيّ المُعاصر إلى قضايا الظرف الرّاهن ليست نظرةً مُعاصرة، بقدرِ ما هي متّصلةٌ بذلك الإطار المرجعيّ الّذي خلّفه لنا عصرُ التدوين، والّذي دوّن، أكثر من أي شيءٍ آخر، أنشطة الجاهلية وأخبارها”.

تطرّق الكاتب في الرّواية إلى جملة من المشكلات الاجتماعية الّتي يُتعاملُ معها ببرود دون وعي آثارها كعمالة الأطفال الأبرياء، ووصف حالُ النّساء في المجتمعات الشّرقية وما يعانينَ في أثناء حياتهن إنْ أقدمنَ على الخروجِ عن العادات والتّقاليد الّتي تُسيطر على غاليبة المُجتمع والّتي تؤدي بهنّ إلى قتلتهنّ خشية عائلاتهنّ من جلب العار وفق ما هو سائد،دون ادراك أن هذه العادات كانت عادات فقط لمجتمع ما قبل الاسلام. وأنّ المجتمع في تغيّر وتطوّر دائمين فلمَ لا نخرج عن تلك العادات ولا نكون مقلّدين عميان لمَن سبقنا؟؟!!

يوسف قنديل الّذي عاش ويلات الحرب، وذاقَ الأمرّين.

يوسف قنديل الّذي تجذّرت فيه طفولته، “هوَ” الكاتب كانت طاغية على الرّواية ككل” في هذهِ الحياة، أشعرُ أنّني أنا نفسي الهو المترع بالرّغباتِ والشّهواتِ والمتطلّبات الّتي لا يرتوي عطشها….”

شعرتُ في هذه الرّواية أنّ الكاتب يزيدُ من حِدّة كلامه في بعض الأحيان بطريقة فلسفية تحتاجُ تفكيكاً لفهمها على الوجه الصحيح. تمرّدٌ، تفلّتٌ من الواقع، واستخدام الكلمة لتحقيق النّصر.

علاقتُه بمرام الّتي خذلها وحطّمها وأبقى نُدَباً في قلبها بقيت مُستمرّة بالرّغم من الخذلان والبعد..

ما لفتني هو تعدد الرّواة في الرّواية ضمن حدّ مقبول كي لا تضيع الأحداث، وهذا ما أشار إليه”…. إذ لا أحبّ هذا النّمط من الروايات الّتي يكون الرّاوي أحاديّ السّرد والكلام،…….، فأنا أكرهُ الديكتاتوية حتى في الرّوايات والرّوائيين”.

أكثرُ ما أحببت هو عمق الصّداقة بينه وبين صديقه صلاح الّذي يختلف معه في الأفكار في اتجاه التّفكير؛ خصوصاً أنّه ينتمي إلى مجتمع المقاومة، وحماية ظهرة اجتماعياً، وموقفه المشرّف من رفض إقامة علاقة مع زوجته، رغم علاقاته المتشعّبة بالنّساء وعدم توفيره أي فُرصة، لكنّه موقف نزيه ومشرّف، ويدلّ على مدى وفائه لصديقه،”ولكن، ينبغي أن نصمدَ في الخطوط الخلفية لكي يكون من هم في الأمام مطمئنين لا يميلون على الجانبين…”

لا اظنّ أن هذه الرّواية تتقبّلها شريحة المجتمع الّذي نعيش فيه، خصوصاً فيما يخصّ إعادة تأويل النّص القرآني وجعله في خدمة المجتمع العصريّ.

الوصف والسّرد يُبعدان القارئ من الملل والرّتابة، الأحداث الأخيرة بدت صادمة وغير متوقّعة أبداً، أحداث الفصول الأخيرة مُفاجِئة، خصوصاً في ما يخصّ “صباح”أخته الّتي انكشف أمرها بعد أربعين عاماً. شعرتُ أنّ صداقة يوسف القوية بصلاح سيعتيريها عطب ما، لكن لم أتوقّع ما حصل. وابلٌ من المطرِ انهمرَ فوق الصّفحات الأخيرة مُتخذاً الأخاديدَ سبيلاً للعبور، وانتبابتني قشعريرة لمدة طويلة لما قرأت من الكلمات من آخر الرّواية.

كثرت فيها التشابيه بشكل لافت، تشابيه صاخبة وبعضها مؤلمة، وكان ذلك بغية توضيح المعاني، والتأثير في المتلّقي وإقناعه.

الكثير من التساؤلات دارت في رأسي بعد أن أنهيت “وادي الغيوم”، وكما قرأت في مقال سابق” أنّ الرّاوي أراد أن تبدأ بعد أن ينتهي القارئ منها”.

اترك رد