مَرَّت دُهُورٌ!

 

مَرَّت دُهُورٌ، وَانتَهَى عُمْرُ الصَّباباتِ الثَّمِينْ

عُمْرُ الدَّلالِ مِنَ الجَمالِ على رَبِيعِ العاشِقِينْ

فَالغِيْدُ لا تَهوَى المَشِيبَ، وَلا لِقاءَ المُتعَبِينْ

وَأَنا هُنا خاوٍ، وَراحِلَتِي، على جَهْدٍ، تَخُونْ

فَالدَّرْبُ طالَتْ، وَالمَفاصِلُ باتَ يُغرِيها الرُّكُونْ

وَالجِسمُ أَتعَبَهُ الضَّنَى، وَالوَجهُ لَفَّتهُ الغُضُونْ

لكِنَّما هذا الشَّبابُ الرَّاحِلُ، الذَّاوِي، الطَّعِينْ

مَلَأَ المَرابِعَ ذِكرَياتٍ مِن عُهُودِ الياسَمِينْ

فَغَزا المِدادُ مَسِيرَتِي شِعرًا رَهِيفًا لا يَهُونْ

فَصَحائِفِي غَصَّتْ، وَأَزهَرَتِ الحَواشِي وَالمُتُونْ

هِيَ ذِي اللَّيالِي الدَّافِئاتُ، حُشاشَتِي، هَل تَذكُرِينْ؟!

    ***

يا قَوْمُ هَذِي قِصَّتِي سَطَّرتُها بِدَمِ الحَنِينْ

وَدَفَنتُ في طَيَّاتِها نُتَفًا مِنَ السِّرِّ الكَنِينْ

حَلَّتْ بِدِفْءِ دَفاتِرِي غُرَرًا، وفي الذُّخْرِ المَصُونْ

تَبقَى إِذا غِبْنا، وَبِتْنا في لَفِيفِ الأَوَّلِينْ!

***

عَهْدٌ مَضَى غَمَرَتْ مَدارِجَهُ عُطُورُ الزَّيْزَفُونْ

وَتَماوَجَتْ فِيهِ السَّنابِلُ، وازدَهَى عِنَبُ الجُفُونْ*

زَهَتِ الحُقُولُ بِهِ فَطابَ جَنًى، وَأَزهَرَ كُلُّ طِينْ

ما لِي أَراهُ، اليَومَ، يَشحَبُ في ضَناهُ وَيَستَكِينْ

أَينَ الرُّبَى المُخْضَوْضِراتُ، وَأَينَ هاتِيكَ العُيُونْ*

أَينَ السَّواقِي، أَينَ طائِرُها الذُّرُى، أَينَ الوُكُونْ

ذَرَّ الزَّمانُ تُرابَها، أَرضِي، وَعاثَ بِها المَنُونْ

بَهِتَتْ وُرَيقاتُ الصِّبا، رَبِّي، وَذابَ رُوا العُيُونْ*!

***

أُوَّاهُ قَلبِي كَم عَبَرْتَ مِنَ المَهامِهِ في سُكُونْ

حَتَّى غَدَوتَ كَدَوْحَةٍ يَبِسَت بِها رَيَّا الغُصُونْ

هانِي أَخَذتُ الكَأسَ، إِلْفَ غَدِي، وَمُنْسِيَةَ الشُّجُونْ

وَحَضَنتُ قِرطاسِي فَهَبَّ يَراعِيَ الثَّرُّ الهَتُونْ

وَانْهَلَّتِ الأَشعارُ، عِطْرُ الرُّوْحِ، وَالوَلَهُ الحَنُونْ

أَشدُو فَتَهتَزُّ الرِّقاعُ وَتَكتَسِي أَجلَى الفُتُونْ

حُبًّا، كِفاحًا، ضِلَّةً، غَمًّا، ضَياعًا في الظُّنُونْ

فَلَقَد عَرانِي مِ الشُّكُوكِ، عَصِيُّها، حَتَّى الجُنُونْ

وَغَدَوتُ، في تِيْهِ الرُّؤَى، غِرًّا يُسائِلُ مَن يَكُونْ

أَأَنا خَيالٌ في المَنامِ لَسَوفَ يَفضَحُهُ اليَقِينْ

أَمْ عابِرٌ لِهُنَيْهَةٍ، وَأَغِيبُ مِثْلَ الغائِبِينْ

غَبَرُوا وَلَم يَبْقَ سِوَى نَسْيٍ يَلُفُّ الغابِرِينْ؟!

***

يا عاذِلِي خَلِّ المَلامَ، وَلا تَكُنْ مِ الشَّامِتِينْ

فَأَنا اكتَوَيتُ مِنَ الهَوَى، وَغَدَوتُ، في رَيْبِي، رَهِينْ

وَتَتابَعَتْ، في رِحلَتِي الكَأْداءِ كالِحَةُ الشُّؤُونْ

ماذا أُذَلِّلُ مِ الصِّعابِ، وَدَهرِيَ القاسِي حَرُونْ

فَإِذا أَسِفْتُ على صِبًا وَلَّى، وَغالَبَنِي الأَنِينْ

وَوَقَفتُ أَلهَجُ بِالمَغانِي الخُضْرِ بِالقَلبِ الحَزِينْ

فَهُناكَ، بَينَ طُلُولِها، صُوَرٌ مِنَ الماضِي الدَّفِينْ

وَهُناكَ سَطَّرتُ الجَوَى بِيَراعَتِي، وَدَمِي السَّخِينْ!

***

(*) جُفُون: جَمْعُ جَفْنٍ، وَجَفْنُ الكَرْمِ هو أَصلُهُ أَو قُضبَانُهُ

(*) عُيُون: جَمْعُ عَيْنٍ وَهِيَ يَنْبُوعُ الماء.

(*) عُيُون: جَمْعُ عَيْنٍ وَهِيَ عُضْوُ الإِبصار.

اترك رد