عَلَّمُوكُم!

 

(أُعِدَّت لِلإِلقاءِ لِمُناسَبَةِ تَخَرُّجِ طُلَّابِ الصَّفِّ النِّهائِيِّ في الكُورَة – لُبنانَ الشَّمالِي)

عَلَّمُوكُم، وجَنَى العِلمِ عَمِيمُ،         أَنَّ أَدنَى الطُّرْقِ خَطٌّ مُستَقِيمُ
فَخُذُوهُ سُنَّةً لِلغَدِ لا                    تَبتَغُوا إِلَّاهُ، مَسراهُ سَلِيم
وإِذا صادَفتُمُ الخَتَّالَ قد              أَدرَكَ الوَفْرَ، فَذا وَفْرٌ ذَمِيمُ
وإِذا دامَ، فَما عِزٌّ، ولا                 شَرَفٌ يُعلِي، ولا ذِكْرٌ كَرِيمُ
والَّذِي لا يَلتَوِي في سَيرِهِ               زادُهُ اللهُ، ومَرماهُ النُّجُومُ!
***

رُسُلٌ، أَنتُم، مِنَ الكُورَةِ، مِنْ         أَرضِها المِعْطاءِ، فَلْيَسْلَمْ أَدِيْمُ
وَلْتَكُونُوا مِثلَما زَيتُونُها،             يَجْبَهُ الرِّيحَ، ويُعطِي، ويَدُومُ
يا بَنِينا بَزَغَ الفَجرُ على           رَبَواتِ العُمرِ، واخضَرَّت كُرُومُ
إِنَّما أَنتُم مِنَ الأَصْلِ الَّذي         مِنهُ هذِي الأَرضُ دَوْحٌ وَرُسُومُ
فَاذهَبُوا رُودُوا الدُّنَى في صِدقِكُم،       والزَمُوهُ إِنَّهُ السَّمْتُ الحَكِيمُ
في يَدٍ تُعطِي غِلالًا رِيشَةٌ،              ويَدٌ أُخرَى بِها يَزهُو رَقِيمُ
هي ذِي الدُّنيا، هَبُوها بَدْعَكُم،            إِنَّما الإِنسانُ بَدْعٌ وَأَرُومُ
إِذهَبُوا… وَلْتَأْرَجِ الدَّرْبُ على        خَطْوِكُم، وَلْيَنْقُلِ الضَّوْعَ نَسِيمُ
وَلَئِنْ عُدْتُمْ بِيَومٍ فَاذكُرُوا             مَعهَدًا أَعطَى ومُعطاهُ عُلُومُ!

***

أَنا، مِن عَهْدٍ بَعِيدٍ، كُنتُ ما         أَنتُمُ اليَومَ، وضامَتنِي الهُمُومُ
ما مَصِيرِي، أَينَ تَرحالِي، وما              دَرْبِيَ الأَسلَمُ، ما الرَّأْيُ الصَّمِيمُ؟!
ما بِظَهْرِ الغَيْبِ يَدعُونِي، وهل             تَسطَعُ الأَضواءُ، أَم تَغْزُ الغُيُومُ؟!
فَحَزَمتُ الأَمرَ، لا أَلْوِي، فَقَد                       أَدرَكَ القِبْلَةَ مِلحاحٌ حَزُومُ
تِهْتُ في الأَرضِ، وغادَرتُ الحِمَى،                جُزْتُ آفاقًا، وَلَفَّتنِي تُخُومُ
ذُقْتُ نَأْيَ الدَّارِ والأَهلِ فَما                  زَلَّ رَأْيِي، أَو ثَنَت عَزْمِي الكُلُومُ
ثُمَّ نِلْتُ المُبتَغَى، واللهُ قد                         شَدَّ أَزْرِي، فَهْوَ حَنَّانٌ رَؤُومُ
لا يَنالُ المَجدَ إِلَّا صابِرٌ،                    يَكْدَحُ، العُمْرَ، وَيَبنِي، لا يَرِيمُ!
***

 

يَطُولُ البُعْدُ، تُغرِينا الدُّنَى،         ويُنادِي الحُسْنُ والقَدُّ القَوِيمُ
ويَثُورُ النُّسْغُ في الشَّريانِ،    ـــــــــــــــــــ    فَالجَسَدُ الحَرَّانُ لَجَّاجٌ نَهِيمُ
وَلَقَد تَملَؤُنا الشَّهوَةُ في        أَمَدٍ، والعُمرُ وَرْدٌ وَشَمِيمُ
بَيْدَ أَنَّا يَنبَغِي، بَعدَ الغِوَى،                أَن نَؤُمَّ الصَّحْوَ، والرُّشْدَ نُقِيمُ
لَنا، في الصَّبْوَةِ عُذْرٌ، إِنْ يَعُدْ      حُلْمُنا، بَعدَ ضَلالٍ يَستَقِيمُ
والَّذِي لا يَرعَوِي عن جَهلِهِ                    لَهُ، مِ الدَّهرِ، مُجافٍ وخَصِيمُ!
***

لَنا في الأَحلامِ زادٌ هو        ـــــــــــــــــــ        لِلغَدِ نِبْراسٌ، ومَجناهُ عَظِيمُ
إِنَّما إِنْ شَطَّتِ الأَحلامُ في        غِيِّها، فَالحُلْمُ مَبْغاهُ وَخِيمُ
نَحنُ، إِنْ أَحلامُنا غَيَّتْ، فَقَد                    تَردَعُ الأَحلامَ عَن غَيٍّ حُلُومُ
لَكِ، يا كُوْرَةُ، في أَصلابِنا،               حُّبُّنا الوَقَّادُ، ما عِشْنا، مُقِيمُ
هو عِشْقٌ، كُلَّما مَرَّ بِهِ             زَمَنٌ، كَالخَمْرِ أَشهاهُ القَدِيم
نَحنُ كَالأَوتارِ إِن نَلمُسْ ثَرَى      ـــــــــــــــــــ      سَهْلِكِ المِخْصابِ يَغشانا الرَّنِيمُ
وإِذا عُدنا إِلى الدَّارِ، وقد                    شَدَّنا الشَّوقُ، صَحا فِينا الرَّمِيمُ
بَرَقَ الفَجرُ، وغَنَّى مَنْبَعٌ،            غَرَّدَ البُلبُلُ، واخضَرَّ الهَشِيمُ
أَنتِ مِنَّا النَّجْعُ(1) إِنْ صَوَّحَنا(2)،           في بَوادِي عُمرِنا، الرِّيحُ السَّمُومُ(3)
كُورَةَ الإِلهامِ مَهما بَعُدَت                دَربُنا نَرجِعُ، دُنياكِ نَعِيمُ!

***

(1): النَّجْعُ: مكانٌ يَحُطُّ فِيهِ القَومُ رَحْلَهُم لِوُجُودِ الماءِ والعَشْب

(2): صَوّحَ الحَرُّ أَو الرِّيحُ الشَّيءَ: جَفَّفَهُ أَو أَيْبَسَهُ حَتَّى تَشَقَّقَ وتَناثَر

(3): السَّمُومُ : الريحُ الحارّةُ

اترك رد