وَما تَقاعَسَت! 

(لِمُناسَبَةِ عِيدِ الجَيشِ اللُّبنانِيِّ، الواقِعِ فِيهِ 1/ 8/ 2019)

نَبنِي، وتَعْمُرُ بِالشُّمُوخِ دِيارُ،         وتُجِلُّ بَدْعَ رِياشِنا الأَمصارُ

هذِي ثِمارُ الأَمنِ إِذْ غَمَرَ الرُّبَى،        قَرَّتْ نُفُوسٌ، وانجَلَتْ أَفكارُ

فَإِذا شِعارُ الأَرزِ ضَوْءُ مَنارَةٍ     ـــــــــ     تَهدِي، فَما غالَ السَّفِينَ بِحارُ

والفِكرُ لا يَرقَى مَتَى أَودَى بِهِ           خَوفُ انغِلاقٍ، أَو ثَناهُ جِدارُ

وَلَئِنْ تَزَيَّتْ بِالسَّلامِ رُبُوعُنا،            وتُخُومُنا فِيها العِدَى تَنهارُ

فَلِأَنَّ أَبطالَ السِّلاحِ بَواسِلٌ،           والجَيشُ، رُغْمَ عَدِيدِهِ، جَبَّارُ

وإِذا الدِّماءُ تَهُونُ عَزَّتْ هَيْبَةٌ          وَهَوَت، على أَعتابِنا، الأَخطارُ

والأَرضُ لا تَبقَى مُسَيَّجَةَ الحِمَى         إِلَّا إِذا صانَ الذِّمارَ شِفارُ!

                                 ***

تَقاعَسْتَ..

لا واللهِ.. حاشا لَكَ أَن تَفعَلَ، يا طَيِّبَ الأَرُومَةِ في البُطُولات..

ذاتَ غَفْلَةٍ مِنَّا في العام 1975، والقَدَرُ لَيسَ بِغافِلٍ، أَدرَكَنا العَمَى، فَطُحْنا عَن صَلاحِ الدُّرُوبِ، وانتَضَينا الجاهِلِيَّةَ، وقَزَّمنا السَّماء..

وَتَشَوَّفْنا حُضُورَكَ الباهِرَ، فَما وَجَدناك..

قَعَسُوكَ، وَما تَقاعَسَتَ، وَلَأَنتَ لِلجُلَّى في أَوانِها، والتَّارِيخُ شاهِد..

مِن عَهْدِكَ الأَوَّلِ، وأَنتَ الغِرُّ الأَغَرُّ، في العام 1943 – كَي لا نَعُودَ بَعِيدًا في الزَّمَنِ، إِلى جُذُورِكَ الضَّارِبَةِ عَمِيقًا في تارِيخِنا، مع فارِسِكَ الأَوَّلِ الأَمِيرِ فَخْرِ الدِّينِ الثَّانِي المَعْنِيِّ – مُرُورًا، مُظَفَّرَا، بِمَعرَكَةِ المالِكِيَّةِ في أَيَّارَ 1948، ووِقْفاتِكَ الفارِقَةِ في اجتِياحِ أَيلُولَ 1972، والضِّنِّيَّةِ 2000، وعُدوانِ إِسرائِيلَ 2006، وقَبضَتِكَ الفُولاذِ في نَهْرِ البارِدِ 2007، والعُدَيسَةِ 2010، إِلى مَعمُودِيَّتِكَ الأَخِيرَةِ في «فَجْرِ الجُرُودِ» السَّاطِعِ تَضحِيَةً وفُرُوسِيَّةً وَإِباءً، في كُلِّ هذا المَدَى المُتَرامِي كُنتَ المَصْهَرَ المُبارَكَ أَذابَ تَناقُضاتِنا وضَعَفاتِنا، فَأَخرَجَنا إِبرِيزًا ناصِعًا نَفْخَرُ بِهِ على الأُمَمِ، ونَعْتَزّ..

رَفَعتَ رايَتَكَ عالِيًا بِـ «شَرَفٍ وتَضحِيَةٍ وَوَفاءٍ»، فَما ذَلَّتْ يَومًا، ولا طَأْطَأَتْ جَبِينًا، ولا تَمَرَّغَتْ في ضَلال…

أَن نَتَكَلَّمَ عَلَيكَ، إِنَّهُ الرِّهانُ الصَّعْبُ لِلقَلَمِ العَيِيّ..

فَمَتَى كانَ الحِبْرُ يُوَفِّي الدَّمَ السَّفُوحَ بَعضَ حَقِّهِ المُقَدَّس؟!

حَسبُكَ أَن تَكُونَ في كُلِّ قَلبٍ، نَبْضًا رَجْعًا لِطَلَقاتِكَ غِبَّ النَّفِيْر…

أَمَّا مَدانا فَمَدَى ذِراعِكَ، فَإِنْ تَقَلَّصَ ضَمَرْنا، وَإِن رَحُبَ فَإِنَّنا في رَحابَةِ الأَمْر…

وَحُلْمُنا أَن تَظَلَّ طَلعَةَ صُبْحٍ كُلَّما دَهانا لَيلٌ دامِسٌ، فَهَناؤُنا مِن فَيْضِ انبِساطِك على مِساحَةِ الوَطَن.

وَنَحنُ، وَقَد عَمَرَ قَلبُنا بِالوَلاءِ لِرِفعَتِكَ، وَسَمَتْ رُوحُنا في مَحَبَّتِكَ، وأَضحَت صُورَتُكَ تَهجِسُ في بَصِيرَتِنا آناءَ اللَّيلِ والنَّهارِ، وَرُؤَانا صَفاؤُها مِن صَفاءِ مَسارِكَ، فَإِنَّ كَلِماتِنا باتَت قاصِرَةً عن إِيفاءِ نَذْرِنا، فَذِكرُكَ صَلاةٌ في مِحرابِ البَقاءِ والحُرِّيَّةِ والكَرامَةِ. وَإِنَّا لَفِي حالٍ رَسَمَها الإِمامُ النِّفَّرِيُّ بِقَولِه: «كُلَّما اتَّسَعَتِ الرُّؤْيا، ضاقَتِ العِبارَة»…

فَيا جَيشَنا..

وَتُعْلِي هامَنا في ساعاتِ التَّباهِي،

وَنَشرَبُ نَخْبَكَ في طَرَبِ النَّفسِ،

ونَشخَصُ إِلَيكَ إِمَّا دَهَتِ العَرِينَ داهِيَةٌ،

أَلَا كُنْ دِرْعَنا في المُلِمَّاتِ، وقائِدَنا إِلى السَّمْتِ الصَّوابِ، فَنَحنُ لَمَّا تَزَلْ قَبَلِيَّتُنا في أَصلابِنا هاجِعَةً جَمْرًا في رَمادٍ، وطائِفِيَّتُنا تَسرِي في عُرُوقِنا فَتُكَدِّرُ فِينا صُورَةَ اللهِ المُثْلَى..

وَكُنْ عَصًا غَلِيظَةً تَردَعُ مَنْ لا يَحفَظُ حُرْمَةَ الوَطَنِ، ومِبْضَعًا يَجتَثُّ مِنَّا كُلَّ عُضْوٍ مُنتِنٍ، فَخَيْرٌ لِلجَسَدِ أَن يَخسَرَ مِنْ أَعضائِهِ فاسِدَها على أَنْ يَهوِي في فَسادِها إِلى هُوَّةِ العَدَم..

***

واليَومَ، في زَمَنِنا الأَعْجَفِ هذا، يَرُوحُ مَنْ أُوْلُوا رِعايَتَكَ، سِياسِيُّو الأَيَّامِ المَنكُودَةِ، يُقَتِّرُونَ على أَشبالِكَ، حَتَّى لُقْمَةَ العَيشِ، ويَقتَطِعُونَ مِن تَقاعُدِ مَن سَفَحَ العُمْرَ نَجِيعًا على ثَرانا، لِيَبقَى شُمُوخُنا في الذُّرَى..

يَرُومُونَ إِصلاحَ ما أَفسَدُوا..

فَتَبًّا لِلظَّالِمِين!

أَلَا إِنَّكَ الحَقُّ الباقِي في زَيَغانِنا المُطْبِق.

﴿وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إنَّهُ لَحَقٌّ﴾!

سَلِمتَ لَنا، مُعافًى!

اترك رد