تحظى الاهتزازات بمكانة مهمة في مدرستي القلب (التصوف والعرفان)، وتنظر كل منهما لموقع هذه الاهتزازات من منظار مختلف كما ان حقيقة هذه الاهتزازات ومحلها يختلف بينهما، ففي التصوف تمثل (اهتزازات الجسد) التي صارت تسمى (الرقص الصوفي) أو الحركات الصوفية بمثابة(زيت للحال) ونور من الحال اي انها تساهم في تصعيد حالة الانتشاء النفسي للمتصوف وتدفع به للانفصال عن الواقع الحسي بشكل تدريجي ، ومن جهة اخرى هي حالة (ثمالة) تنعكس في تمايل انتشاء من خلال سكرة التعلق وتراكمية الذكر المكرر.
وفي كل هذه الاحوال تبقى (اهتزازات الصوفية) محلها الجسد كأداة ونتيجة، يخالفها شكلا ومضمونا اهتزازات مدرسة العرفان، فإن قمة اضطرابها يكون في حالة سكوت الجسد من خلال هيبة الخشوع وذروة الانقطاع، وهي اهتزازات قلبية عميقة تمتزج بها اعتصارات الخشية والخوف القائم على ادراك عميق لعظمة المحبوب وخجلة المحب أمام ساحته لحجم مايقوم به من تقصيرات ( وهي عظيمة في منظور عظمة المخلوق)، كما ان هناك نحوًا من اهتزازات الشوق الروحية التي تمثل ( وجد الرغبة في الوصول )، وكما يقول حافظ الشيرازي.. (فاحترق يا قلبي.. لأن احتراقك هذا… سينجز لك، الكثير من الامور والاعمال).. طبيب العشق والغرام له انفاس كانفاس المسيح وهو عطوف شفيق ولكن عندما لم يشاهد داء فيك فلمن يصف الدواء…
في مدرسة العرفان يمثل الشوق الى المحبوب مكانة القلب في مدرسة الحب وعلاماتها الفارقة، وهو نحو من الاهتزاز المعنوي الذي يتجلى في اعتصارات الاحساس بالبعد، كما ان هناك نحوًا من اهتزازات الوصول وإدراك جمال المحبوب ورؤيته حيث يغيب (الجمال اليوسفي) عندما تدرك زليخة جمال رب يوسف، انها حالة انتشاء من النور بالنور…
فخط العشق الصوفي متقوم بالجسد ومرتبط به، وهو أداته ومحله لأن هذا المسلك بالدرجة الأساس اريد له ان يكون (إقصاء طوعيا) للجسد من ساحة التنافس على(أمتعة الدنيا) من قبل(سلاطين الدنيا)، لذلك كانت ادواته واثاره وعلاماته تتحرك في إطار الجسد، بخلاف مدرسة العشق العرفانية المتقومة بالاساس، على المعرفة والتي تتخذ من ساحة القلب نهجها الأمثل في المعرفة الصادقة، فالقلب محلها ومنعكسها واطارها، وقد تجتهد في اخفاء انعكاسات القلب واهتزازاته على الجسد، اذا ترى أن الانشغال بساحة الجسد يفسد عليها خلوة القلب وعروجه..
تمتد هذه المكانة المختلفة لنوع الاهتزازات ومحلها ومنطلقها ومكانها ما بين مدرستين مختلفتين منطلقا وغاية واسسًا ومناهج، ويتدافع اثر هذا الاختلاف في كل تجليات وآثار كلا المنهجين من حيث المسلك والأثر والنتائج، كما انه يرسم خط الصلة لكل من الطريقين بالعقيدة والشريعة وبعموم الدين، ويرتبط بهذا المسار موقف المدرستين من فكرة الابتذال والحياء، واقصد هنا بالابتذال المظهري السلوكي في اطار المألوف من الملبس والحركات وطريقة العيش، حيث عقدت مدرسة التصوف، على انه قاعدة واشتراط، لابد للصوفي ان يلامسه ليكون نكرانًا، لذاته وشعور ًابدونيتها ومكانتها المتواضعة بالمقارنة مع الآخرين، في حين يتجه المسلك العرفاني الى مفهوم الحياء، وهو حالة باطنية قلبية ممزوجة بادراك عميق لمكانة الذات، والمسافة اللامتناهية بين الخالق والمخلوق والتي لاتفرض حالة(الابتذال المظهري) على العارف وان كان الزهد والاقتصاد، بالمعاش، احد اهم المرتكزات العرفانية إلا انها تؤكد مفهوم العزة التي لاتتقاطع مع الحياء، والذي يعمق نحو من التواضع الواعي الذي يروض الذات، ويحط من عجبها وخيلائها في ظل إدراك عميق لمكانة الوجودات والمخلوقات في عالم التكوين، الاعظم….