حدودنا الجنوبية: أخطاء محمية، خسارات فعلية وانتصارات وهمية

lebanese border

feather_pen 111  العميد الركن المتقاعد أنطون مراد

 

 منذ ولادة دولة لبنان الكبير بموجب القرار رقم 318 تاريخ 31 آب 1920 والحدود اللبنانية الجنوبية لا تعرف الهدوء. من خط بوليه-نيوكومب عام 1923 إلى خط الهدنة عام 1949 وصولًا إلى الخط الأزرق الذي هو في الحقيقة ثلاثة خطوط زرق. مسلسلٌ مؤلم القاسم المشترك فيه هو الأطماع الإسرائيلية، التقاعس اللبناني والخسارات اللبنانية المتتالية.

 اليوم ينشغل السياسيون اللبنانيون بالمفاوضات مع مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى دايفيد ساترفيلد حول الحدود الجنوبية البرية والبحرية. فوجئت ببعض وسائل الإعلام تسوّق أن الدبلوماسية اللبنانية حقّقت انتصارًا جديدًا من خلال قبول العدو الإسرائيلي بالآلية التي اقترحها لبنان فما هي هذه الآلية؟

1-  تلازم المفاوضات بين البر والبحر: لمن لا يعلم، إن المفاوضات حول البر بدأتها اليونيفيل منذ عشر سنوات ولكن المشكلة هي في أن العدو الإسرائيلي يريد استغلال الخط الأزرق لقضم المزيد من الأراضي اللبنانية وهذا ما رفضه الفريق اللبناني الذي كان يطالب بالعودة إلى خط الهدنة مقابل إصرار العدو الإسرائيلي على طمس جميع معالم الهدنة ومنها خط الهدنة، وعدم الاعتراف إلّا بالخط الأزرق على الخريطة الورقية للاستفادة من سماكته التي تبلغ 50 مترًا على الأرض.

2- المفاوضات في رأس الناقورة باشراف الأمم المتّحدة: إن المفاوضات تتمّ في هذا المركز منذ العام 2006 ولكنها مفاوضات عسكرية غير مباشرة، فهل هذا الإصرار هو لرمي الكرة على الجيش اللبناني فيحصد السياسيون النجاح ويرمون الفشل على الجيش؟

3- إخراج مزارع شبعا والغجر من التفاوض: قد يكون هذا الأمر فضيحة كبيرة وجريمة بحقّ لبنان. نحاول تفهّم إخراج مزارع شبعا كونها مسألة قديمة يوجد انقسام لبناني حولها وعدم تفاهم مع سوريا على هويّتها.

لكن الجديد في الأمر هو إخراج قرية الغجر حيث الحدود واضحة وقد تمّ تحريرها في العام 2000 ثم عاد واحتلّها العدو الإسرائيلي خلال حرب تموز 2006 وحافظ على احتلاله لها رغم أن القرار 1701 يفرض عليه الانسحاب الفوري دون قيد أو شرط. الأسوا في الأمر هو أن هناك منطقة واسعة غير مأهولة محيطة بقرية الغجر تمتد بين نهر الوزاني وبلدة العبّاسية ما تزال معلنة محتلّة رغم عدم وجود الجيش الإسرائيلي فيها، وهذا الاحتلال محروس من قبل اليونيفيل مدعومة بالصمت اللبناني المريب.

4- إشتراط لبنان عدم تحديد مهلة زمنية للتفاوض: هذا أمرُ غريب إذ أنه خلال المفاوضات لتأمين الانسحاب الاسرائيلي من بلدة الغجر كان الجانب اللبناني يطالب بوضع مهلة زمنية في حين أن العدو الإسرائيلي كان يرفض ذلك. ما الذي تغيّر حتى انعكس الموقف اللبناني؟ لماذا لم يقبل بمهلة الستة أشهر التي طالب بها العدو الإسرائيلي؟ هل من مصلحتنا إبقاء التفاوض إلى ما لا نهاية؟

 إن تاريخ الحدود اللبنانية الجنوبية حافل بالأخطاء اللبنانية والخسارات المتتالية.

 سلّمونا لبنان الكبير في العام 1920 فخسرنا قسمًا من أراضينا يصل إلى 150 كيلومتر مربّع عبارة عن القرى السبع والأراضي التابعة لها التي أخرجها ترسيم بوليه-نيوكومب من لبنان.

 وقّعنا اتفاق الهدنة فحلّ خط الهدنة محلّ خط حدود 1923 رغم أن نصّ الاتفاق يقول إن هذا الخط يتبع الحدود الدولية، وخسرنا مساحات إضافية نتيجة الأخطاء الميدانية والثغرات في وصف وترسيم العام 1923 وخاصة في المنطقة بين المطلة والوزاني.

 قبلنا بالخط الأزرق في العام 2000 فخسرنا مساحة تبلغ حوالي 500 ألف متر مربّع في مناطق التحفّظ، وحلّ الخط الأزرق محلّ خط الهدنة رغم أنه خط موقّت وهدفه فقط التثبّت من الانسحاب الإسرائيلي.

 وقّعنا اتفاقية مع قبرص في العام 2007 حول حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة فخسرنا مساحة 860 كيلومتر مربّع فرضها العدو الإسرائيلي كمنطقة نزاع يتمّ التفاوض عليها حاليًا. مع العلم أن هناك دراسات عديدة لم تأخذ بها السلطات اللبنانية أهمّها دراسة مكتب الهيدروغرافيا البريطاني UKHO في العام 2011 التي تقول إنه يحقّ للبنان مساحة حوالي 1300 كيلومتر مربع جنوب الخط اللبناني المعلن.

 والآن في العام 2019، نتنازل طوعًا عن الغجر ومحيطها فنخسر مساحة 787400 متر مربّع بالإضافة إلى خسارة مياه نبع الوزاني التي تُضخ باتجاه البلدة والتي يسرقها العدو الإسرائيلي، دون معرفة من هي السلطة اللبنانية التي سمحت بذلك في العام 2000 ومن هي السلطة اللبنانية التي تراقب كمية الضخ.

 فهل يدخل هذا التنازل الطوعي ضمن صفقة القرن؟ وهل علينا التنبّه مجدّدًا إلى نهر الليطاني كون العدو الإسرائيلي يكون قد حسّن مواقعه الدفاعية شرق إصبع الجليل بعد ضمّ الجولان ومزارع شبعا والآن الغجر وسيتطلع لاحقًا إلى تحسينها غربه متى سمحت له الفرصة بذلك؟

 الغريب أنه لا توجد مواكبة مؤسّساتية جدّية لحركة ساترفيلد المكوكية، فهل أن الاتفاق جاهز ويبقى فقط الإخراج؟

 مسكينٌ لبنان، فالذين ارتكبوا الأخطاء ما زالوا يتنعّمون بجنة السلطة ويتبوأون أعلى المراكز لأن أخطاءهم محمية، وبكلّ وقاحة يخترعون انتصارات وهمية لتغطية خسارات فعلية.

(الخميس 30 أيار 2019)

****

(*) موقع Mon Liban

اترك رد